“في سنوات القمع الفكري والعقاب، تُكتب الرواية مُختزلة التفاصيل وبإسقاطات محددة.. أو تصدر علي أجزاء في دول آمنة إلي حين!”
في وجود أنظمة دكتاتورية ومقص للرقيب وكُتاب للتقارير وزمرة من المُتنفعين المتطفلين، والذين يعيشون علي ثمن الوشايا والدسائس والتزلف، لا يمكن بأي حالا من الأحوال أن يبرز كاتباً فذاً، بحيث يُسمح له بأن تُنشر كتاباته المليئة بمعلومات وثقافات، قد تفضح المستور وتساهم في حلحلة أنظمة و تقويض مقومات أي نظام ظالم، وبالتالي تجزئة منظومة فساد، تمثلت في مجموعة شذاذ أفاق وصل بهم الأمر أن يتعلموا أبجدية الثقافة من خلال تواجدهم في وظائف تسمح لهم بالتدقيق في كل ما ينشره أصحاب القلم المستنير خوفا، أو حتي أنهم يتطوعون طواعية لضمان حصولهم علي فتات غذائهم الملوث، فيقتاتوه بطعم الظلم الناجم جراء التضحية بالمبدعين، فيتعلموا بالتكرار بعض من الثقافة وبعض من طرق كتابة القصة والرواية والحكايا والحبكة القصصية والرواية وسيُتقنون الحديث عن الحدوثة من جراء شرحهم للجلاد معاني كتبها المبدع في كتابه أو منشوراته نتيجة تفسيرهم للنصوص التي افلتت من كمية الحرية المسموح بها حينها، ويدققوا بحجة إجازتها قبل أن تُنشر، حتي لا تنتشر لتقع في أيدي العامة، ولذلك علي المبدع أن يكون حكيماً وعلي قدر عال من الذكاء، حتي يمرر إبداعاته وما يريد قوله والتنويه عنه للقراء فقد يلجأ إلي كتابة الأسطورة للتعتيم علي الواقع قليلا في كتاباته أو أن يستعين بالبلاغة والمجاز المرسل كم فعل الكاتب الفارسي (عبدالله بن المقفع )في كتابه الشهير ( كليلة ودمنة ) حيث أوصل الفكرة عن طريق سيرة غابة وحيوانات.
أو يلجأ للرمزية والإسقاطات ويبتعد عن التفاصيل، ويستعين بالأموات، والقليل يحبذ أن تُختزل الرواية في قالب قصصي أقل حجما وهو ما يُعرف بالرواية القصيرة أو بالنويفل أو القصة القصيرة.
لكن هناك سببا آخر فالكاتب الروائي المبدع والذي وقوده الوطنية وزاده القيم وقانونه الميتافيزيقا، ومنها الشجاعة والإقدام، وهو أنه لا يحظى بتشجيع، من دولته في اغلب الظروف، حيث تعتيم الوشاة، وممتهني الثقافة وموظفي مؤسسات الرقابة المتنوعة والإعلام الملي بالمخبرين من مؤسسات الأمن وأخيرا المتلصلصين الكترونياً، فقطعاً لن تطبع كتاباته ولا يمنح إذنا للطباعة، وتصادر مؤلفاته المطبوعة ويمنع من النشر في الصحف ولا يسمح بدخول كتبه من المنافذ الحدودية إذا ما أصر علي طباعتها بمادياته حتي بمطابع دول مجاورة، لتري النور.
أو يخضع لشراكهم بتعريضها لنقدهم فتسلب من نصوصه ومتابعاته احمل افكاره وآرائه وقيمه وتتداول قبل خروجها باسمه الي النور فيقع في ورطة تكرار ما قدموه من نصوص هي في الاساس سلبت منه
والحل أمام هذه المعضلة، بالغ التكلفة، فالكاتب يملك من الشجاعة والجسارة ما يجعله يعلو بسقف تفكيره عن مجموعة الوشاة المانعين لفكره من البروز، وهم من جراء كثرتهم وتنامي نفوذهم وضعوا قيودا ثقيلة ومعايير جديدة تثقل كاهله أي كاهل المبدع و تضع العراقيل في طريق الإبداع الحقيقي.
إذن الحل في أن الكاتب سيكتب الرواية في بلده بشكل مختصراً لتمر من مقص الرقيب الظالم، حيث سيحقق فائدة أهم وهي التقليل من تكاليف الطباعة الباهظة التي سترهق جيبه، اذا ما كانت الرواية المراد طباعتها ستطبع علي حسابه الشخصي.
وقد يستعمل هذا الأسلوب فيضمن وضع قدمه بين كُتاب الرواية المعاصرين، ويحقق طموحا منقوصاً (أعرجا أو أعوجاً) الي حين.
حيث سيقابل المبدع بسوء الفهم والدراية و نقدا و تقييم خاطئ من نفس زمرة الوشاة، وبعض المختصين منطلقة هذه المرة، أنه لا يُجيد كتابة الرواية لأنها خالية من التفاصيل، أو لأنها صغيرة الحجم من جراء قلة عدد الصفحات أو لأنها خيالية وكاتبها لا يعيش الواقع !!
ولذلك” قد تُكتب الرواية مرتين ” أي أنها ستكتب مرة في وجود نظام الدكتاتور وزمرته البائسة بطريقة معتمة وضبابية، ومرة أُخري بعد سقوط النظام الدكتاتوري ومنظومته الفاسدة المهيمنة المتسلطة أو تغيير الوضع من الفوضى إلي النظام في دولة قانون..
فتكون نفس الرواية ( رواية طويلة ) و(رواية قصيرة ) أو تكون صادرة علي اجزاء بحيث تصدر في أمكنة مختلفة (دول مختلفة ) وكل دولة ينشر بها ما يتعلق ما حدث لمواطنيها من انتهاكات جسيمة او كرامة معيشة في سردية الرواية الكاملة بحيث تضمن هذه الدولة المنتفعة بحقائق ومعلومات قدمها لها هذا الجزء من القالب الروائي الكامل من تلك الدولة الحماية للمؤلف من جراء غضب المجرمين في بلده.
وهنا سيضاف الي الحقل الأدبي
الأكاديمي وللدارسين نموذجا جديدا في طريقة كتابة الرواية من خلال المقارنة بين طريقتان في كتابة نفس الرواية المشبعة بالتفاصيل و الأخرى الخالية من التفاصيل او من خلال الاجزاء.
وهنا أقدم نفسي للقاري بطريقة مبتكرة حيث أضع بين يديه رواية (الفندق الجديد الطويلة الكاملة ) ورواية (الفندق الجديد القصيرة المختزلة في اجزاء) وفيها سيجد القاري نصا أدبيا تاريخيا منهاجا للدارسين لفن كتابة الرواية عن طريقة المقاربة والمقارنة.
هذه السلسلة الثقافية التنموية المعرفية محفوظة حقوق نشرها قانونا بعضوية اتحاد الناشرين العرب واتحاد الكتاب العرب للكاتب الروائي الليبي / حسن أبوقباعة المجبري
بنغازي 2018