يتشابه مركز التفّاحة كثيراً مع فرج المرأة في شكله وهندسته البادية بوضوح، هذا الشبه ليس اعتباطيّاً، وليس هو تخيّلاً ذهنيّاً أو أنّه شبه غير مقصود من الطبيعة أو مجرّد التقاء غير مدرك في صنعة الخالق، ففي كلّ شيء له آية تدلّ على أنّه الخالق البارئ المصوّر الذي أتقن صنعته، هذه الصنعة المبنيّة على التكامل والتناظر وارتباطها كلّها برابط ما سواء أأدركناه أم لم ندركه.
وقبل أن أعرّج في الكلام على التفّاحة وتناظر مركزها مع فرج المرأة أريد أن ألفت الانتباه إلى أنّ هناك نوعاً من نبات السوسن يسمّى سوسن الناصرة أو السوسن البسماركي يتناظر في شكله الخارجيّ أيضاً مع فرج المرأة بشكل لافت. وليست التفّاحة أو سوسن الناصرة ما له هذه الدلالة، وإنما قد يجد المرء الشيء نفسه في كثير من الفواكه، وليس عجباً- والحالة هذه- أن توصف النساء بالفاكهة، وأن تشبّه أعضاءهنّ الجنسيّة (النهدين والفرج) بأنواع محدّدة من الفاكهة.
إنّ الشبه لافت للنظر في نصف التفّاحة، بحيث يدعوك لتتأمّل هذه الصنعة البديعة لله، سبحانه وتعالى، فالله- سبحانه- جعل قلب التفّاحة، وفي وسط هذا القلب فرج امرأة، ولن يتفاجأ المرء عندما يعرف أن للتفّاحة ارتباطاً بالشهوة في الفكر الإنساني والميثولوجيا البشريّة. فالتناظر باد بين جسم التفّاحة وبين جسم المرأة وموقع الفرج في هذا الجسم، كأنّه ذلك الشقّ في وسط التفّاحة، عدا أنّ جلد المرأة يشبه كثيراً جلد التفّاحة، ولحم التفّاحة الأبيض المشوب بصفرة ما يشبه لحم المرأة. بل إنّ تكويرة التفّاحة تتناظر مع تكويرة منطقة الحوض في المرأة.
إضافة إلى أنّ بذور التفّاحة تكمن في هذه المنطقة منها، فهي التي تختزن الحياة القادمة، كما يختزل فرج المرأة ويحتوي الحياة القادمة، فالفرج ليس هو شهوة محضة، وإنّما مع هذه اللذّة وهاتيك الشهوة ثمّة حياة مرتقبة لآخرين تبدأ من هنا، من الفرج الذي هو “موضع الولد”، كما يقول الفقهاء المسلمون. فلا شيء على ما يبدو له وظيفة واحدة فقط، فالنهدان كما طرحتُ في مقال “أجمل ما في المرأة ثدياها” لهما وظيفة إمتاعيّة جنسيّة، ووظيفة حياة أيضاً متعلّقة بالرضاعة، فكانا سببا من أسباب الحياة.
تقول الأساطير الإغريقيّة أنّ ثمّة حضوراً للتفّاحة فيها، مرتبطاً بالمرأة على نحو مباشر، في قصّة باريس والتفّاحة الذهبيّة، والحكم بين ثلاث من إلهات الإغريق أيّهن أجمل، والجمال بطبيعة الحال عندما يرتبط بالمرأة في الميثولوجيا هو دلالة على الشهوة واللذّة، فالجمال في واحد من مظاهره هو تجلٍّ اجتماعيٍّ ثقافيٍّ مقبول عن التعبير بأنّ تلك المرأة الجميلة هي مثار شهوة في نفس من تقع في نفسه. ولذلك كانت التفّاحة حاضرة في خدعة باريس للإلهات الثلاث. وباريس هذا كان جميلاً أيضاً. وسيختار باريس من الإلهات من ستهبه أجمل نساء الأرض.
تقول الحادثة كما جاءت في موقع الويكيبيديا: “ألقت الإلاهة إريس بينهنّ تفّاحة ذهبيّة كتب عليها “للأجمل” فنشبت مشادّة بين الربّات الثلاث هيرا وأفروديت وآثينا، حيث رأت كلّ منهنّ نفسها أنّها الأجمل، واتّفقن على الاحتكام إلى أوّل غريب يرينه، وقد كان الراعي الشاب باريس، فسردن عليه أمرهنّ وطلبن إليه أن يحكم بينهنّ بإعطاء التفّاحة للأجمل منهنّ، وأغرته هيرا بالسلطة إن هو وهبها إيّاها، وآثينا بالحكمة والمجد، وقالت له أفروديت ربّة الجمال أنّها ستهبه أجمل نساء الأرض، ففضّلها عليهما وأعطاها التفّاحة ليغضب بذلك الربّتين الأخرىين”.
وأيضاً ثمّة من يقول إنّ الشجرة التي حرّمت على آدم في الجنّة هي التفّاحة، تقول هذه الروايات فيما تقول إنّ هذه الشجرة كانت مهراً لحوّاء، بمعنى لو أردت أن تستمتع بفرج حوّاء عليك أن تمتنع عن نظيره، وهو التفّاحة، وأنّها لم تحرّم عليها هي، وإنّما حرّمت على آدم فقط، وأنّ حوّاء هي من أكلت منها أوّلاً، وعندما لم يحدث شيء لحوّاء تشجّع آدم وأكل منها، وقد عبّر الله عن ذلك مباشرة في القرآن وربط العقاب بما له علاقة بالشهوة، فقال “وبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة” ليغطّيا العورتين، بل صار هذا العقاب مصيراً إنسانيّاً عامّاً وشاملاً في حياة بني البشر، بحيث يقضي الرجل حياته خاضعاً للشهوة ويلاحقها في كلّ امرأة يراها، ويكون ضعيفاً أمامها، وقد سلّم المنطق الإسلاميُّ في عمق دلالة النصوص على هذا المعنى، فمن التوجيهات النبويّة أنّه إذا ما وقعت امرأة في نفس أحدهم، فليذهب ويواقع زوجته، فإنّ ما معها هو نفسه الذي مع هذه المرأة، فتنطفئ نار الشهوة. ومن لم تكن له زوجة لم يحاسبه الشرع على مجرّد اشتهائه وتمنّيه، فهذا شيء مودع فيه، من فطرته، فالله لم يخلق فينا شيئاً على شاكلة ما ليكون سبباً في عذابنا، بل جعله الله أكبر محرّك للبشريّة من أجل أن تتكاثر، وأن تتطوّر، وأن تحقّق الهدف من الوجود، وهو عمارة الأرض بكلّ ما تعنيه كلمة العمارة من معنى.
فلولا المرأة وفرج المرأة وشهوتها لم تكن الحياة على هذه الهيأة من التعقيد والبساطة في الوقت نفسه. فكلّ شيء في الحياة- على ما يبدو- يحول ويؤول إلى المرأة وشهوة المرأة، كأنّ هذا العضو الحيويّ مركز الخلق والكون والقوّة الدافعة للحياة والطاقة الحيّة للعيش والإقبال على الإكثار من متع الدنيا، وهنا يكمن سرّ آخر من أسرار الخالق العظيم، حيث يربط الناس والحياة بكلّ زخرفها بأصغر شيء فيها، ولن أقول وصفاً آخر، أو أستعير آراء أخرى تصف هذا العضو بأوصاف تهوينيّة لا تليق بعظيم قدره وسمو رفعة شأنه، ودوره المركزيّ في حياة البشريّة منذ آدم حتّى ما بعد الحياة الدنيا، إذ تقف هذه الشهوة “شهوة الفرج” على قمّة الشهوات في جزاء المؤمنين يوم القيامة في الجنّة.
ومن بديع ما حفظته كتب الفقه حادثة حضرت فيها التفّاحة، فقد جاءت إحدى النساء مستفسرة متى تطهُر، فتغتسل، وخجلت أن تسأل الفقيه مباشرة، فأحضرت معها نصف تفّاحة حمراء أحد وجهيها أبيض، ففهم مسألتها وهي أفهمته بالإشارة ما تريد.
وربّما ليس من المصادفات أن تكون “التفّاحة الحمراء” عنواناً لتقليد يكشف “عن بقع الدم على مُلاءة السرير بعد ليلة الزفاف، في أرمينيا وجورجيا وغيرها من دول القوقاز” علامة لفضّ البكارة. واستعيرت التفّاحة أيضاً لتكون عنواناً في بعض الأعمال الأدبيّة والسينمائيّة كالمسلسل التركي “التفّاحة الممنوعة” أو “التفّاحة الحرام”. وتحضر التفّاحة في قصّة للكاتب الإنجليزي هربرت جورج ويلز، ويرد فيها قصّة آدم التي أشرت إليها أعلاه: “تنصُّ الأسطورة على أن تلك الأجَمات بأشجارها المتقزّمة المنتشرة حول الحديقة إنّما نمَتْ من التفّاحة التي حملها آدم حين طُرِد هو وحوّاء. أحسَّ آدم بشيء في يده، ولما فتحها وجدها التفّاحةَ التي أكلا منها فطرحها جانباً مغتمّاً، وهناك نمَتْ أشجارُ التفّاح في ذلك الوادي المُقفِر، تطوقها الثلوج الأبديّة”. ليتطوّر الرمز من مجرّد شهوة جنسيّة إلى أن تصبح التفّاحة “شجرة للمعرفة”.
هذا الفكر البشري والإلهي والأسطوري الذي وجد في التفّاحة رمزاً للمرأة وشهوتها، هو نفسه الفكر المتّصل بمنطق ما ويأخذ الرموز إلى دلالات أخرى فلا يقف عند حدود النصّ الأوّل ودلالاته، فصارت التفّاحة رمزاً لشجرة المعرفة، ليلتقي على الإنسان- والرجل تحديداً- شهوتان شقيّتان: شهوة الفرج وشهوة المعرفة، هذه الشهوة التي لا تقلّ إقلاقاً للمرء عن شهوة الفرج، ألم يقل المتنبّي:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ
إنّه لبيت عظيم فيما يختزن من معانٍ في الفكر الإنساني فيما يتّصل بالشهوة والمعرفة والمصير الإنساني بشكل عامّ، فكأنّ مدار الحياة على شهوتين كما قد يُفهم من هذا البيت، شهوة لذوي العقول المفكّرة يشقون بها، وشهوة لذوي الفروج الباحثة عن المتعة يشقون بها، ولله في خلقه شؤون، وكلّ ميسّر لما خلق له، فلنتأمّل هذه الظواهر الخلْقيّة البديعة.
وأخيراً، هل هذه مجرّد تهيؤات شخصيّة منّي أم أنّ لها سنداً معقولاً ويصدّقها الواقع؟ أظنّ أنّ الأمر يستحقّ عناء الإجابة والتفكير برويّة، فهذا الكون يؤول إلى معنى واحد، كلّما أوغلت فيه ستكتشف أنّ عمقه وتعقيده في بساطته وبداهته، تلك البساطة التي يدركها الإنسان البسيط كما هي، ويحمّلها المثقفون والفلاسفة والكتّاب أبعاداً أخرى، تحتملها بكلّ تأكيد، بوصف مخلوقات الله نصوصاً مفتوحة على التأويل والترميز والتحليل، أسوة بالقرآن الكريم، هذا النصّ الإلهي المفتوح على التأويل، نصّ لا نفادي، لا ينتهي منه الحديث ولا ينضب، وكذلك مخلوقات الله، فمهما كانت تافهة في نظرنا، فإنّها- بلا شكّ فيه- عظيمة، ولكنّ جهلنا هو الذي تفّهها، وليست هي تافهة في حدّ ذاتها، فصنعة الله عظيمة ومتقنة، أمّا الجهل فمرض وعمى، ليس إلّا.