المقالة

مشاعري أم مشاعر الآخرين ؟!

لوحات فسيفسائية نقلاً عن الشبكة العنكبوتية

زمان وآه من زمان وأنا في السادسة عشرة من العمر أضع أول خطواتي في عالم المراهقة اللذيذ وقعت في حب فتاة من شارعنا طبعا من طرف واحد وتوكلت على آلهة الحب والعشق وكتبت لها رسالة فيها من السذاجة والعبط والبله قناطير مقنطرة وبقطعة من الحلوى أغريت شقيقها الصغير ليكون ساعي البريد بيني وبينها، واستقبلت الفتاة المظلومة الرسالة، لم ترد ! ولكنها لم تمزق رسالتي احتفظت بها في حقيبة المدرسة وفي الرسالة طبعا اسمي الثلاثي واسم (الزنقة) ورقم البيت وحدث ما لم يكن في حسبان المراهقة الساذج إذ فتح أحد أشقائها محفظتها المدرسية فوجد رسالة العاشق على ورق وردي دفعت فيه دم قلبي أيامها .

واجتمعت عائلتها ووضعت الفتاة وسط (دائرة الشرف) الذي يقيدها بالحبل والذي يحول رأسها إلى طبل يعزف عليه إفريقي وسط غابة والذي يعض أصابعه والذي يقطع الشعر الذي كان على الخدود يهفهف والذي يجلس بغجريته الضخمة على صدرها وبقت الفتاة المظلومة أكثر من شهر في الفراش بعد أن عرفت أن النجوم تظهر حتى في عز الظهر !

أما المصيبة الثانية فقد اجتمع أشقاؤها فقرروا أن يحملوا (عصيّهم) وأحزمة (بناطيلهم) وأقاموا لي (كمينا) متقنا فيه حس عسكري، وإذا كانت الفتاة المظلومة قد رأت النجوم تظهر في قلب النهار فإنني قد رأيت كل الطرق التي تؤدي إلى الالتحام مع (عزرائيل) وما في جرابه من موت وأستطيع حتى هذه اللحظة أن أصف لكم هذه الطرق الشيئ الذي سيحفف عليّ عبئا كبيرا إذا جاء زمن الرحيل.

ومن يومها لم أكرر المغامرة ! ما أعاد لي الذكرى هو الحرية المطلقة في إرسال مراسيل الحب والعشق والغرام التي وفرتها التقنية العجيبة عن طريق الهاتف النقال، أكتب ما تريد وتغزل بمن تريد وعاتب من تريد وأعشق حتى تموت من العشق، لا رقيب ولا حسيب ولا عصا ولا حزام (سراويل).

أستطيع أن أقول الكثير في هذه الحرية ولكني لن أقول !!! الشيئ الوحيد الذي أستخفه فعلا أن هذه الرسائل ليست طالعة من القلب أنها منسوخة ومنقولة ومشوهة، رسالة حب مسروقة نجدها تدور على مليون (نقال) أناس يستعيرون مشاعر الغير فأية بهجة عندما تخاطبني بمشاعر الآخرين ؟ وأية مفاجأة قاسية عندما أكتشف أن الرسالة التي اعتقدت أنها كتبت من أجلي موجودة على النقالات من طبرق حتى رأس اجدير ؟!

متى نتعلم أن نكتب مشاعرنا الحقيقية ولو كانت ساذجة ولو كانت نهايتها كمائن وعصي والنجوم في عز الظهر ؟!.

مقالات ذات علاقة

بلادُ وَأدَ مؤرخ اللحظة!

أحمد الفيتوري

يوسف القويري

ناصر سالم المقرحي

أوروبا … هل انتهى زمن الرفاهية في أوروبا؟

ميلاد عمر المزوغي

اترك تعليق