المقالة

عن وهم السلطات وإشكالية جدوى الشعر

من أعمال الفنان التشكيلي رضوان الزناتي
من أعمال الفنان التشكيلي رضوان الزناتي

يشعر الشاعر المطبوع بتشقق بذرات الشعر في طينة خياله دون أدلجة، فيمر بصراع المخاض نحو قطافها العسير، ثم يقذف بها للتلقي لقيدها في شرعية هوية الأدب بوجدان الصدق المرجو، وهنا ينطلق صراعٌ طويلٌ دون ذلك، منذ الحوار الشهير في عكاظ بين النابغة وحسان حول شعر الخنساء، وتبادل التهم الجدلية بين وجاهة النقد وريبة المحاباة، مرورًا إلى بلاط ملوكٍ عديدين كمنابر للآراء النقدية المضمرة لمغرضاتها والنائية عن الإنصاف، ورغم كل ذلك ظل الدهر هو المنشد الحقيقي لقوة بقاء النص، رغمًا عن مكائد وشراك الأمزجة المُبيّتة لوهم السلطة الإبداعية المزيفة.

بالأمس سألني صديقي الشاعر على الخاص:

ألم تزهق من الشعر بعد ياحمروني؟
أنا عن نفسي تقيأته حاشاك

زاهق ياصاحبي من الأدب

هو شيء تخلصت منه فخلصت

كان عندي ثلاث دواوين مخطوطة

قلّصتهن إلى اثنين

بعد ذلك قلّصتهما لديوانٍ واحد

بعدها بصقت عليه حاشاك

أزهق كلما أقرأ شعر

والناشرون أولاد كلب حاشاك

أنت تُبدع وتُعامل كالكلب

بشروطهم البايخة وعدم مصداقيتهم

ثم أن الكل صاروا كُتّاباً وشعراء ولديهم آلاف المتابعين.

انتهى ..

منذ أشهر لجأ أحدهم؛ بعد أن نفث سحر نصه إلى لعبة إطلاق مجموعةٍ خاصةٍ بالشعر، واستوزر شاعرةً فاشلة، وزعم أن المجموعة تنشر بمراجعة لجنةٍ خاصة بالنصوص، حينما علّق نشر نصٍّ لي، ورأيت تمرير نصوص ركيكةٍ ومبتذلة لشواعر وشعراء آخرين، هنا خلصتُ إلى أن المحترم حقق سلطته المبتغاة في لذة الإقصاء، أمام الوافدين على بلاطه الوهم وسلطته البديلة، في تجليات الحلم المقهور نحو الطغيان الزائف.

وأمام هذا المشهد النتن بصور النجاحات المزعومة أمام الكاميرات، ونشر الدواوين لتياراتٍ وشيع، وكل حزب بما لديهم فرحون؛ يُنحر الإبداع كضحيةٍ كبرى فداءً لإسفافٍ يُفسِد ويلوث المناخ الشعري، بما يحدثه في ثقب طبقة صفاء الحقيقة السامية للكتابة الحقيقية.

منذ شهرٍ كذلك؛ سألني صديقٌ أديب آخر بمقذوف؛ عن جدوى الشعر في الحياة، وأربكتني الجرأة المباغتة، فتجنبت الحوار إلى ضفافٍ آمنة عن الجدل.

نعم في الجدوى حساباتٌ براغماتية تستلزم أدوات مُسيّسةٍ تقتصد الزمن لتحقيق النتائج.

لابد أن تُحسن حشد الجوقة المدفوع لها غالبًا بالمقايضات المتبادلة على المسرح المنبر، وأمام أفواج المصفقين المغرمين باتجاه ومسالك القطيع الجوفاء.


ودّان. 25 تمّوز 2020 م

مقالات ذات علاقة

من سكب الأبيض في “الفراشية” الليبية؟.. “الفونغ شوي” يُجيب

أحلام المهدي

أزمة لـبـنان إلى أيـن؟

بشير الأصيبعي

الملحن الليبي علي ماهر، لكل جيل فرسانه!

المشرف العام

اترك تعليق