المقالة طيوب عربية

شخصيات في الذاكرة (علي فهمي خشيم)

فارس أحمد العلاوي -سوريا

الصورة عن الصفحة الشخصية للكاتب على موقع (فيسبوك)

أول لقاء جمعني بالدكتور علي فهمي خشيم(1) كان في الشهر الثامن سنة 2001 ، كان ذلك اللقاء صدفة ومن غير ميعاد ، فقد ذهبت في يوم من أيام ذلك الشهر لزيارة صديق لي من مدينة بنغازي يعمل في السفارة الليبية بدمشق ، فأخبرني أن الدكتور علي فهمي خشيم موجود في استعلامات السفارة ، وسألني هل تريد أن تسلم عليه . فقلت له : كنت أودُّ اللقاء به في طرابلس أو في مصراتة منذ سنوات ، لكن الظروف لم تساعدني ، وها هو يأتي إليَّ في دمشق بدلاً من أن أذهب إليه ، دخلت على حجرة الاستعلامات ، فوجدته جالساً ، فاقتربت منه وسلمت عليه ، وعرَّفته بنفسي ، وبمؤلفاتي ، وكنت حينها كتبت دراسة عن الأديب الليبي المعروف علي مصطفى المصراتي ، فأخبرته بها ، فسرَّ بذلك ، وقال لي : إن المصراتي سيسرُّ أيضاً بهذه الدراسة . فقلت له : لكني لا أعرف كيف أرسل نسخاً من الصحيفة التي ستنشر بها الدراسة إليه ؟ فقال لي : حين تعود إلى طرابلس تأتي إليَّ في مجمع اللغة العربية ، وتحضر معك تلك النسخ ، وأنا اتكفل بإرسالها للمصراتي . كان اللقاء بالدكتور علي فهمي خشيم ممتعاً ، وكنت أودُّ أن يطول أكثر ، لكن لا الظرف ، ولا المكان يساعدان على ذلك ، فسلمت عليه ، وودعته ، وقلت له : إن شاء الله ألتقي بك في طرابلس بعد أيام ، وهذا ما كان إذ فور عودتي إلى طرابلس ذهبت إلى مجمع اللغة العربية ، وحين سألت عنه علمت أنه لم يعد من سفره ، فتركت في المجمع نسخاً من الصحيفة التي نشرت فيها دراستي عن المصراتي ، وطلبت ممن استلم تلك النسخ مني أن يخبر الدكتور علي بأني سأتصل به بعد أيام . وهذا ما كان ، اتصلت به ، فسرني سماع صوته ، وحمدت الله على رجوعه سالماً ، واتفقت معه أن أذهب إليه في مجمع اللغة العربية في اليوم التالي .حين دخلت مكتبه قام الرجل بلباقته المعهودة ، وسلم عليَّ ، ورحب بي ترحيباً كبيراً ، وقال لي ماذا تشرب ، فطلبت كأساً من الشاي ، ثم قدمت له مجموعة من مؤلفاتي ، فسرَّ بها ، وقال لي : نسخة المصراتي وصلت إليه ، وهو مسرور بها . ثم تحدثنا عن مواضيع أدبية وتاريخية شتى ، وهكذا كان حالي معه كلما زرته في مكتبه في مجمع اللغة العربية بطرابلس ، في كل مرة كنت أزوره فيها كان يترك كل شيء ، ويفرغ نفسه للحوار معي ، كان الرجل كما رأيته لطيفاً ومتواضعاً ، والحقيقة أن ما يجمعني بالدكتور علي فهمي خشيم ، ليس فقط التخصص في مجال الفلسفة ، أو الكتابة عن الشيخ أحمد الزروق ، وتحقيق بعض مؤلفاته ، بل أكثر من ذلك ، ما يجمعني به أنني وإياه تركنا تخصصنا الفلسفي ، وتفرغنا للدراسات الأدبية والتاريخية ، فما قدمته من نتاج فلسفي وما قدمه هو من نتاج فلسغي ، لا يقارن بما قدمناه من نتاج في مجال الأدب والتاريخ ، وبطبيعة الحال فإن تنوع الاهتمامات ، يفرض نفسه على ما جرى بيني وبينه من حوار ونقاش ، فحواراتنا كانت متعددة ومتنوعة لا تقتصر على مجال أو جانب دون الآخر .

وأذكر أنه في آخر لقاء معه في مكتبه في مجمع اللغة العربية بطرابلس حدثني عن ظاهرة الأسماء الأجنبية التي وجدها منتشرة في شوارع دمشق ، وغيرها من العواصم العربية ، وأن هذه الظاهرة غير منتشرة في طرابلس لأن الدولة منعتها .لم تكن طرابلس هي المدينة الوحيدة التي التقيت فيها بالدكتور علي فهمي خشيم ، فقد التقيته أيضاً في مصراتة ، والحقيقة أنني رأيت إخوة الدكتور علي ، وتعرفت على أولاد أخته آل العاشي قبل معرفتي به بسنوات .موقف لا أنساه للدكتور علي فهمي خشيم في مصراتة ، فقد دخلت المستشفى المركزي فيها لإجراء عملية جراحية ، وكان الذي أجرى لي تلك العملية الدكتور الجراح نور الدين القصير جزاه الله كل خير ، المهم أن الدكتور علي حين علم أني في المستشفى ، جاء على الفور لعيادتي ، وجلس معي وقتاً لا بأس به ، وأوصى بي الأطباء ، وكان معه في ذلك الوقت شقيقه الأديب المعروف يوسف خشيم ، فأوصاه أن يهتم بي ، ولم يتركني يوسف حتى خروجي من المستشفى جزاه الله عني كل خير .كما كان أول لقاء لي بالدكتور علي فهمي خشيم في دمشق ، كان آخر لقاء لي به فيها أيضاً ، فقد علمت من الصحف أن ندوة سيقيمها مجمع اللغة العربية بدمشق ، وأن من حضور الندوة الدكتور علي ، فذهبت إلى المجمع ، وسألت عدداً من أصدقائي العاملين فيه : هل وصل الدكتور علي فهمي خشيم إلى دمشق ؟ فقالوا لي : وصل إلى دمشق ، وهو مقيم في فندق الميريديان (ديدمان حالياً) .في المساء اتصلت بالفندق ، وتكلمت مع الدكتور علي ، واتفقت معه على اللقاء به يوم غد صباحاً في الفندق ، وفي الوعد المحدد التقيته ، وقد آلمني أن الذي أمامي ليس الدكتور علي الذي أعرفه ، فقد كان متعباً جداً ، جلسنا في بهو الفندق ، روى لي رحلته مع المرض ، وأنه حالياً أفضل بكثير من قبل ، فدعوت له بالشفاء ، وقلت له : كنت اتمنى أن أبقى معك أكثر ، وأتحدث معك أكثر ، وأدعوك لزيارتي في بيتي ، لكن وضعك الصحي يحتم عليَّ أن أتركك لترتاح .سلمت عليه وودعته ، وبقيت أنظر إليه وهو يمشي حتى غاب عن عيني ، ومن تلك اللحظة غابت أخباره عني ، وعلمت فيما بعد أن حالته الصحية ليست على ما يرام ، وأنه يعالج في مستشفى الماني ، وعلمت بعدها أنه توفي في هذا المستشفى بعيداً عن وطنه ، وكان ذلك يوم 9 يونيو سنة 2011 ، فما كان مني حينها إلا القول : إنَّا لله وإنا إليه راجعون ، رحمك الله يا دكتور علي ، وغفر لك ، وجعل الجنة مثواك(2) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الدكتور علي فهمي خشيم علم من أعلام ليبيا في النصف الأول من القرن الماضي ، وحتى العقد الأول من القرن الحالي ، ولد في مدينة مصراته سنة 1936 ، درس المرحلة الثانوية في طرابلس وأتمها في مصراته ، حصل على ليسانس في الآداب تخصص فلسفة من كلية الآداب التابعة للجامعة الليبية في بنغازي سنة 1962 ، ثم حصل على الماجستير في الفلسفة من جامعة عين شمس في مصر سنة 1966 ، وأما الدكتوراه ، فقد حصل عليها كلية الدراسات الشرقية التابعة لجامعة درم البريطانية سنة 1971 .بدأ حياته العملية محاضراً في الجامعة الليبية ببنغازي سنة 1962 ، واستمر فيها إلى سنة 1975 ، انتقل بعدها إلى كلية التربية بجامعة طرابلس ، واستمر فيها إلى سنة 1987 ، وخلال عمله في التدريس الجامعي ، تدرج من محاضر إلى أستاذ مساعد ، فأستاذ مشارك ، فأستاذ كرسي ، ثم عين باحثاً متفرغاً بدرجة أستاذ في مركز البحوث الإنسانية بطرابلس ما بين عامي 1987 ـ 1989 ، وأستاذاً مشرفاً على الدراسات العليا في كلية العلوم الاجتماعية بطرابلس سنة 1989 ، وبالإضافة إلى التدريس تولى عمادة كلية التربية في جامعة طرابلس سنة 1975 ، ورئاسة قسم الفلسفة في كلية التربية ما بين عامي 1987 ـ 1988 ، وأخيراً كان عميداً لكلية اللغات بطرابلس ما بين عامي 1987 ـ 1988 .تولى عدداً من المناصب أولها وكيل وزارة الإعلام ما بين عامي 1971 ـ 1972 ، ووزير دولة ورئيس مجلس شؤون الثقافة في اتحاد الجمهوريات العربية المتحدة ما بين عامي 1972 ـ 1975 ، وعضو المجلس التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) ما بين عامي 1978 ـ 1980 ، وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة 2003 ، وأخيراً أمين مجمع اللغة العربية الليبي ما بين عامي 1994 ـ 2011 .أنشأ ورأس تحرير عدد من المجلات والصحف : مجلة قورينا الصادرة عن كلية الآداب في بنغازي (1966 ـ 1972) ، مجلة الفصول الأربعة الصادرة عن اتحاد الكتاب والأدباء بطرابلس (1977 ـ 1980) ، وعاد ورأس تحريرها سنة 1988 ، مجلة أفكار الصادرة عن قسم الفلسفة بجامعة طرابلس (1987 ـ 1988) ، صحيفة الأسبوع الثقافي (1972) ، حولية المجمع الصادرة عن مجمع اللغة العربية .للدكتور علي فهمي خشيم مجموعة كبيرة من المؤلفات ، نذكر منها : النزعة العقلية في تفكير المعتزلة (1966) ، حسناء قورينا (1967) ، الجبائيان أبو علي وأبو هاشم (1968) ، نصوص ليبية (1968) ، قراءات ليبية (1968) ، الحركة والسكون (1973) ، زروق الصوفي (1974) ، أحمد زروق والزروقية (1975) ، دفاع صبراتة (1975) ، أيام الشوق إلى الكلمة (1977) ، ايناروا (1996) ، بحثاً عن فرعون العربي (1985) ، هل في القرآن أعجمي (1997) ، الفلسفة والسلطة (1998) ، هذا ما حدث (2004) . وهنا لا أنسى أن أذكر أن الدكتور علي خلال زياراتي المتكررة له أهداني مجموعة من مؤلفاته ، وقد استخدمت بعضها في أبحاثي ودراساتي .(2) كنت عزمت على كتابة دراسة موسعة عن الدكتور علي فهمي خشيم ، لكني لم أكتبها بسبب الظروف التي مرت بي ، وانشغالي بأعمال لم أنجزها ، ولعل ما كتبته من ذكريات عنه يكون فيه أقل القليل مما أكنه له ، وللصداقة التي كانت تربطني به .

مقالات ذات علاقة

الأمن الفكري حصانة للمجتمع من الغلو والتطرف والانحرافات السلوكية

المشرف العام

الأنبياء الكذبة وقدر الإبراهيمية!

علي عبدالله

جمال حيدر في روايته “شموع على أرصفة الكرادة”

المشرف العام

اترك تعليق