علي الفيتوري
-ليس هناك أجمل من أن تحيا حياةً فلسفية، يا صديقي
-صديقك!!!
بغض النظر إنني رأيتك للتو في هذا العنبر من السجن، ولكن ماذا تقصد بالحياة الفلسفية.
-هي أن تكون حيًا لمجرد الحياة، أن تفترض على عبث وجدانك المعنى، وأن تبحث عنه بكل صدق.
-وكيف هذا.
-كل يوم أتذوق من بين شفتي دنيانا طعمًا جديدًا، لا يسعني أمام هذا الطعم إلا الإحساس بالنهم للمزيد من كل ممكن، أحاول أن أجمع كل شعور وحدث في كيسي، هذا ما يجعلني شغوفا بالحديث معك، أنا سعيد بلقائك يا صديقي.
-وكيف ذلك؟
– سأخبرك، أجمع المشاعر هنا وهناك، مثل مراهقٍ مهووسٍ بجمع الطوابع.
يومٌ أحب هذا، يومٌ أحب ذاك، يومٌ أبكي على هذه، يومٌ على تلك. يومٌ جائع لا أملك قوتي، ويومٌ أجود بين الطرقات، بين المساجد والأزقة، أو بين أفراد عصابة في سيارة باهظة الثمن، ويوما آخر في عربة متواضعة مع عامل نظافة، أتسكع على الأقدام مع أحد الشحاذين ونحن نقهقه من الضحك.
يوم شُجاع حتى تحسِبُ أن لا شُجاع بعدي، ويوم جبان بل أجبن مما قد يمكنني البوح به الآن.
أُلملمُ قطع اللحظات بشغف، لقد صادقت الفقير، الغني، الشاعر، اللص والوزير والمزارع.
أستمع إليهم وإلى آلامهم وأحلامهم لا أمل ولا أكل من التنزه بين الكذب والحب والألم والوهم والتعسف، التبجح والكبرياء والأسى.
هذا العبث في خوض غِمار الدنيا، هو سبب عدم نيلي شرف الانتحار حتى الآن، أحب وقع الأحداث السريع هذا، الفضول هو محركي، أجمع القصص، أجمع الأحاسيس والمشاعر، أجمع همسات الفاتنات المؤنسات، أعشق ألم فراقهن، آخر كل ليلة، على ضوء الدجى الناعم، ورائحة العطر تملأ أنفي وما أرتدي من ملابس، عندها فقط أشعر بأن لدي قلب وهو الآن يتألم بالفعل، يعتصرني حتى يسعني القول أنه موجود!
إن هواياتي المفضلة يا صديقي هي العناد والألم وجمع الذكريات.
يا عزيزي، هكذا هي الحياة الفلسفية.
-يا عزيزي، أنا لست صديقك!