علي الفيتوري
أولًا يجب أن نعي، أن المجتمع بجميع تفصيلاته، هو ليس المبدأ الأساسي الذي يحكم ويسير أي كيان يفترض على نفسه الوجود والاستمرار.
أي أنه ليس غاية في حد ذاته، بال هو أرجح إلى الوسيلة لتحقيق الغاية، والتي هي الحفاظ على الإنسان والإنسانية، ضمن نسق وجسد يضمن له النمو والاستقرار بشكل سليم، فإذا لم يستطيع المجتمع، أن يحافظ على وجوده في ظل القانون، ويصبح المجتمع في موقف الخيار بين، احترام القانون، والحفاظ، على الوجود، فلا مجال للتردد، هنا بين التضحية يؤسس بنيان المجتمع بسطوته المعنوية، وبين برجماتية القانون، وأنساقه الموضوعية المنظمة.
وعلى القوة المؤثرة بالفعل، أن تضحي بالكيان الاجتماعي العاجز!، لإنقاذ القانون.
يجب علينا قبل القيام بأي نهضة حقيقية، أن نحلل، وندرس، ونصنف مجتمعنا جيدا، وأن ندرك قطبية وجوده وماهيته، وجوهره، وهيكلية بنيانه الاجتماعي نسبةً لاختلاف اقرانه من المجتمعات، القائمة، بالفعل والتصور، والبائدة بالفعل، والتصور.
وبحسب تصنيفات، (فريدناند توينز) أحد مؤسسي المدرسة الصورية. هناك نوعان من المجتمعات؛ مجتمع محلي، ومجتمع عام. ويأتي المجتمع الكبير أو العام في أعقاب ونهايات المجتمع المحلي.
وعلى الرغم من أن المجتمع المحلي يتدهور تدريجيا، مع العصف الاجتماعي، في اتجاه، النموذج الثاني، إلا أنه يحتفظ بوجوده، في إطار المجتمع العام، كحقيقة اجتماعية رمزية، تهدف لتضمين مبدأ روح المجتمع وركيزته، بشريطة، خدمتها للهدف الغائي، للمجتمع الإنساني بالضرورة، كوظيفة جوهرية تخدم صالح المجتمع العام، ولا تهدف، لفرض، سطوتها على تروس، الألية التقدمية، لديناميكية المجتمع.
حيث أن المجتمعات المحلية في جوهرها، تقوم على عدت عوامل، تبدو عارضة في سيرورة المجتمع العام. منها، العاطفة، والنزعات الغريزية، وروابط الدم، والملكية الجماعية، والتصور الجماعي لما يجب أن يكون، وسيادة الأعراف، وضوابط الاجتماعية، الضمنية، غير الرسمية، كالعادات المتوارثة، والدين، ويتغلب عليها، طابع العقاب الاجتماعي، بالنبذ، والتصفية المعنوية.
أما المجتمع الحديث العام ، يقوم على العكس، وعلى عدة متغيرات، في مقدمتها ، الملكية الفردية، والمنافسة، والعلاقات، التعاقدية، وسيادة الأسلوب الرسمي، في الضبط، والذي يتمثل، في القانون وتوابعه، وتسود فيه الانتهازية والصراع، والتنافس، الذي يخدم ، غاية التقدم والنمو ، على حساب الطبقة الأقل تعليما وسطوة وقوة، ويتمثل فيها التصور الداروني، بأفضل شكل ، يمكن التعبير عنه، على المدى الموضوعي ، وقد، يكون ، قياس نجاح المجتمع بناءً على تغلب ، أحد النوعين من المجتمعات على الأخر، وهذا لا يعني أن يتم سحق أي نوع بشكل كامل.
والجدير بالذكر، أن المجتمعات المحلية، مجتمعات راكدة مستقرة، شمولية، تتغذى على العاطفة بشكل أساسي، بينما المجتمع العام تتغلب النزعة التطورية، التنافسية، على العاطفة، وتجعل، من كل شيء، قابل للمساومة، (التفاوض)، مما يسرع من عجلة سير الحياة، لدى المواطن العامي، أكثر من المحلي، بشكل ملحوظ، لتحقيق، غاية، المجتمع الديناميكي العام.
ويذهب (هنري جيمز سيمرمين) على وصف النوعين، بعهد المكانة الاجتماعية، وعهد التعاقد، ويشير، ببساطة التركيب، الاجتماعي، في الأول، وتزداد العلاقات تعقيدا، بحلول العهد الثاني وضرورية التعاقد فيه، تكون حتمية، لزيادة تعقيد العلاقة، بين الأفراد، وتحقيق، فردانيتهم.
كما يؤكد (إيميل، دوركهايم) على تمايز المجتمعات، بوصفه، أنها نوعين، ميكانيكي، وعضوي. الميكانيكي؛ القائم على التوافق في البنيان والقيم، والتصفية المعنوية، ونبذ الشذوذ. والعضوي؛ القائم على تقسيم العمل والتباين بين الأفراد، المؤدي إلى التكامل، ويشبهه بالكائن العضوي، الذي تتباين أجزائه، كما تتباين الادوار، والمراكز فيه، بشكل يمكن دراسته بشكل أوضح، وهنا يجب علينا أن نسأل أنفسنا سؤالا واضحا، نحن أين من جميع التصنيفات المطروحة.
وعليه، أين يكمن الخلل؟ وماذا يجب كأفراد، قبل المؤسسات، أن تفعل في مجال البحث والتقصي عن المشاكل الجوهرية؟ للحصول على حلول جوهرية، والتفريق بين المشاكل الأساسية، والجانبية، لكيلا نقع في الزيغ، والزلل، وأن نقوم بدراسة جميع النماذج الاجتماعية الناجحة القائمة بالفعل، للذهاب، في مسار، التطور الطبيعي المجتمعي، بشكل أكثر موضوعية، وعملية.
وما هي أسباب الركود الحقيقي؟
هل هو البنيان الاجتماعي المحلي الاستاتيكي؟ الذي يصرّ، أن تسود منظومته القيمية، المحلية، على الشكل المؤسساتي العام للمجتمع، المتحضر.
أم أنه عدم توافق، الشكل، والتصور العام للمجتمع المتحضر، مع المجتمع المتحفظ؟ وأن الخلل يكمن فيه وليس العكس!
هل علينا أن نقوم ببناء عقد اجتماعي جديد يهدف لإعادة تشييد البنيان الفكري للأفراد بشكل مباشر قبل كل شيء؟ بحيث أن يكون التعامل مبني على مصلحة الفرد والدولة، بشكل مباشر، من دون اللجوء للوسيط (المجتمع) أي أن تقف الدولة والقانون مع الفرد قبل المجتمع، فيصبح التعاقد عقد فردي بين الفرد والدولة، وليس المجتمع والدولة، فيصبح الفرد، والدولة في انسجام قائم على مصلحة متبادلة، قائمة، على الغاية الأساسية، النمو والاستقرار والأمان، وتبنى العلاقة بشكل أساسي ديناميكي استثماري مباشر، بين ألية انتاجية تطورية، ومواد خام، دون اللجوء، إلى المجتمع، والتطرق لمعاييره القائمة في الأساس على العواطف، ونحن نعي أن أبرز تلك العواطف، الخوف من سطوت الفرد، والخوف من التغير، وحب الجمود والشكل الإستاتيكي، الشمولي للمجتمع، والفرد، والدولة.
هل يجب علينا أن نذوب في المجتمع، أم أن نجعل المجتمع يذوب فينا؟
إن المجتمعات بسيطة التركيب، التي تتوهم المواكبة للحداثة، التي لا تعي مركزها الفعلي في العالم، ولا تعي مركزها في الهرم العضوي الكامل للمجتمعات، بشكل سليم، مصيرها الهلاك، بأفكارها الرجعية، الراديكالية،
ولكن إن كنا نعلم مسبقا أن لـ(التشتيت) المجتمعي، وتدخله المتعمد في رسم وجدان الأفراد، بما يناسب منظومته القيمية والفكرية، منذ نعومة أظافرهم، إثر مباشر في فشل دولة المؤسسات التي نتصورها ودولة التعاقد والقانون التي نتمناها، بشكل يسمح للـ(المجتمع)، أن يحافظ على افكاره النمطية، العارضة، ونحن نعي في قرارة أنفسنا أنه مجتمع فاشل!
لكن لما لا زلنا نحاول فرض هذا النموذج والنوع على الشكل الحديث للدولة؟
يجب أن يتم تصنيف الحالة الموضوعة، ومعرفة مكانها في التصنيف، وإعادة بناء أفرادها بشكل سليم.
يجب أن نعي أن الاختلافات الاجتماعية هي التي تحرر الفرد من أسر الانتماء الكلي لجماعة ما على حساب الدولة والقانون ومن خلال خلق التعقيدات والتعاقدات، يمنح الإنسان القدرة على الابتكار، ويسمح للانتقاء الطبيعي أن يمر بشكل سليم يقصي أفراد، ولا يقسي مجتمع بأكمله، لعدم توافقه بشكل كلي مع معايير التقدم والتطور، حيث أن توافق العديد من الأفراد على فكرة مغلوطة، يؤدي إلى فناء هؤلاء الأفراد جملةً وتفصيلا.