المقالة

مقدمة كتاب: على خطى العقيد

كتاب على خطى العقيد

على خطى العقيد.. ومضات من ذكرى.. لسنوات رفقة القذافي.. حواديث مجالسنا.. وشقيقي العقيد احميد الفيتوري.. اعود لاستجدي ما لا يزال يسكن زواريب الذهن.. لقد رحل.. وفي ذكرى رحيله.. اهداء لروحه الطاهرة.

 خريف عام 1970.. قريتي الزيغن.. كان السؤال: من هذا الذي اعتلى كرسي السلطة بالبلاد، انه ذات الشخص الذي كان بيننا يوم ان قفزنا نحن الطلبة الى ” بار بوزويته “.. وهشمنا قناني الخمور.. مدينة سبها حاضرة فزان الجنوب.. القسم الداخلي.. المدرسة المركزية.. سوق ” قعيد ” القلب النابض.. بار ” بوزويته “.. كنا سويا في تلك التظاهرات الرافضة لممارسات الاجهزة الامنية وأداء الحكومات، وشيء اخر، طلبة ضجرون يجوبون شوارع مدينة منعزلة.. سرة الصحراء الكبرى.. تصبو الى ان تكون جوهرة الصحراء.. معهد المعلمين.. قعيد السوق.. سينما الاتحاد.. وافلام فريد شوقي.. عنتر بن شداد .. يخطف عبلة.. ويكتب معلقته.. نادي الموظفين.. الجديد.. القارة.. القرضة.. حجارة.. المهدية.. المنشية.. سكره.. الطيوري.. كل هذه المواطن جمعتني به.

 ارخى الليل سدوله مظلم حالك دامس.. ولبس الكون تاج الآسى والحزن.. كان لي الاخ السند.. والاب الحنون.. والرفيق الانيس.. اخي العزيز.. فجأة رحل.. 13 سبتمبر 2017 .. حلت لحظة الوداع الاخير.. توقف نبض قلبه.

 ظننت أنني نموذج للحزن الرواقي. كتبت نعيه وتأبينه.. كنت على يقين من أنني سأحزم الحزن الجاثم على صدري لفترة من الزمن.. لكن أعواد الثقاب في وسط صدري لا تزال، وقد مضت سنوات على فراقه.. وأدركت إن الأمر مختلف كلما تعلق بفقدان شخص عزيز الى قلبك حقًا، إنه نوع من الحزن المحموم.. حتى بدأ لي أن بعض الجروح قد تشفى مع الوقت، لكن لا يعني ذلك أنها يمكن ان تلتئم.

 ابحث عن كلمات لا وجود لها.. رحل اخي يوم بكت الصحراء رياح صرصر.. وما زال غيابه حاضرا بقوة كصرخة خرساء مدوية.. كفراغ تعجز الكلمات عن غمره.. النور الذي يشع من طيب ذكراه لا يزال يدفئ اركان جوانحي.. ما زلت واثقا من انه يسمعني.. ولا زلت على عادتي قبل النوم.. وبين الفجر والغسق.. اغمض عيني واتكلم معه.. ثمة اشياء لا نستطيع رؤيتها إلا في الظلام.، تطل ذكراه، وتهمس باذني كلماته الاخيرة.

 لا زالت الصور تتوارد الى ذهني.. لقاءاتنا.. حواديثنا التي لم اكتب عنها ، والتي لم يسمعها سواي، والتي اخصص هذا السفر لاستدعاء ما امكنني.. وتلك اللحظة الفارقة.. لحظة الوداع الاخير.. ومواراته الثرى، وقد بدأ الحفارون يهيلون التراب، ولم يتبقى منه سوى ذكرى.. وعندما غادر الناس المدافن الممتدة، وما كان لي ان اكبح دموعي.. ولم اكن استطيع البكاء بقدر ما كنت ارغب.. وبقيت لزمن جوار القبر.. وكأنني اتوقع انه سيعود ثانية.. او لعلي اقول ما كان يجب ان يموت.. ولكن.. لقد انتهت رحلته المؤقتة في هذا العالم، ونحن من الناحية الاخرى، لابد ان نستمر.

هناك العديد من الأشياء التي تحتاجها لكتابة كتاب، ولكن الأولى والأكثر أهمية: عليك أن تكون مجنون قليلا، بهذا حذر جورج أورويل، مؤلف الرويات الشهيرة: ( 1984 )، ( مزرعة الحيوانات ) الكتاب الطموحين لكتابة كتاب، وانهم رهينة صراعات مرهقة بثقلها، نوبة طويلة من مرض مؤلم، لا يمكن للمرء أن يفعل شيئا من هذا القبيل إذا لم يكن مدفوعا بنزغ شيطاني، لا يمكنه أن يقاوم، ولا ان يفهم، أول شيء تحتاجه هو أن الشيطان الذي يتحدث عنه أورويل، هل تمتلكه ؟، هل هذا الكتاب مشروع جانبي ممتع لك ؟، هل هو شيء عليك القيام به ؟، إن كنت مجبرا من قبل صوت يهتف بداخلك، قال لك افعل لأن هذا هو ما سوف تحتاج إليه، عبورا بمراحل عديدة صعبة ومثبطة للكتابة، انها أيضا، هي ما تحتاجه لتوفير الطاقة اللازمة، فكر في الأمر على هذا النحو: المحامي لديه قضيته، والعائق هو الطريق، قال كاتب شهير: أنا أكتب عن الرموز العظيمة في التاريخ الذين استخدموا المحن والمحاكمات في حياتهم كوقود، بدلا من دفن ما قبلهم، أنا اتقمص نفس النهج في كتابي، وهو ما يعني أن كل ما يحدث في حياتك يمكن أن تستخدمه لشيء مفيد، سواء كان ذلك في الكتابة الخاصة بك، او العلاقات الخاصة بك، أولئك الذين يكتبون لأن لديهم شيء يودون قوله، إذا كنت صغيرا وتحلم أن تكون كاتبا، هناك احتمالات جمة، يوما ما ستكون كاتبا بالفعل.

 أحاول أن أكتب الأشياء التي أتمنى أن يعرفها الجميع، وأن أشعر بأن الآخرين يرغبون في قولها لهم، عندما تشارك الناس الحقيقة التي تشعرهم بأنهم في حاجة لقولها، سوف تجد أنك تعبر بيسر الاوحال الصعبة، وقد صارت بعيده، عليك البقاء حتى وقت متأخر من الليل للعمل على ذلك، لأنه مهم بالنسبة لك، عليك أن تصغي مع الرفض، لأنه ليس لديك أي خيار، قال كاتب شهير: عندما كان علي أن أكتب كتابي الأول، كلفني الاستقالة من وظيفتي، وتركت المدينة التي عشت فيها مدة الخمس سنوات الماضية، وارتحلت عبر البلاد انتظر ميلاده، نحن نعيش اقتصاد الاهتمام، ان تقول شيء هو من الاهمية، والأكثر اهمية هو قول شيء لم يسبق لأحد ان قاله، أو حتى أفضل، يمكن القول، أستطيع أن أتخيل لماذا!، هذه هي الاستراتيجية الخاطئة بالضبط التي يجب اتخاذها، لقد دخلت في حجج لا معنى لها، وكنت قادرا على الكتابة عن الجانب المظلم من وسائل الإعلام، لأنني وضعت نفسي في وضع يمكنني من رؤيتها مباشرة.، كل هذه الأمور أعطتني شيئا أقوله.

مقالات ذات علاقة

الكاتب العمومي في قريتنا!!!

المشرف العام

لماذا منع هذا الكتاب من النشر

سعيد العريبي

رائحة الحليب

سالم العوكلي

اترك تعليق