طيوب البراح

حرة

سمية أبوبكر الغناي

من أعمال التشكيلية خلود الزوي
من أعمال التشكيلية خلود الزوي

حدّقت بمن كانت تظنه السند الرفيق! فسكنت جوارحها قليلًا، ثم انهارت أدمعها ولم يستطع جسدها أن يحملها، فجثت على ركبتيها ثم جلست وأخفت وجهها بكفيها واستسلمت لفيضان مقلتيها حتى هدأت أخيرًا.

استجمعت قواها وصدحت له بعتابها الأخير بنبرة حزينة: “إنِّي قوية، وإنَني وإن اشتكيت ضعفًا فقوتي بالله، ولا تبرح شكواي مكانها إلا لأرى إن كنت على صواب فيما يجول بخاطري، أم أنني مخطئة في رؤيتي وقراري، ولعلي بذلك أستشعر منك مؤازرةً وأزداد بك توفيقًا وسدادًا، كنت أشاركك شكواي خشية أن يغشي ثقل الهموم البصيرة فيظلم على إثرها أفق الحكمة، وأخشى بتعنتي تمسكًا برأيٍ غير صائب فأُصيب عين النقمة التي تتلوها اللعنة، ولا أشتكي لتربت على كتفي أو تكفف أدمعي، ولا لتمدح تدبري وتصرفي، وإنما لأشركك في أمري ولأبصر خفايا ما كنت لأدركها إن لم أطلق سراح الهموم وأعلمك بحدود معرفتي وخبرتي، فلعلك تهتم بي وتشد من أزري، ولعلي برأيك أُدرك أمورًا عجزت عن تصور زواياها وعواقبها. فضمير المتكلم بداخلي يخشى الإفراط والتفريط ويحتاج دومًا لمساندة المخاطب والغائب، لكيلا يمس مخلوق أذى ولا يدفع غيري ضرائب، وما كل ذاك إلا سعيًا لرضا الخالق وحسن معاملة الخلق، فلربما أنال برأيك سدادًا وحكمة أو أحرك جماد قلبك، فما بالك أيها القريب البعيد؟”.

وقفَت بصعوبة وكبرياء، ولسان حالها يقول: “إن خارت قواي يومًا، فسأنهض بالتأكيد؛ ما بعد الليل إلا صبح جديد!”.

قالت بنبرةٍ حادة: “ما كنت أظنك غريبًا، تسعى لهجر وسفر بعيد، وما كان يثنيك إلا مخافة اللوم والعيب”، ثم رمقته بنظرة حادة وتمرد: “أنت حر الآن، أنت حر، ارحل وأخلي سبيلي، فأنا لوحدي أستطيع وسأستطيع. أخلِ سبيلي؛ ما أورثني قربك إلا التردد، لم تكن سندًا ولا محبًّا ولا رفيقًا قريبًا، أتلومني أم تعيرني؟ أم أنك تنأى بنفسك عمّا أنا به؟”.

حاول التبرير، فنهضت ومسحت آثار الدموع وكل تبعات النحيب، استدارت ثم التفتت إليه وابتسمت برضى، وقالت: “لقد وصلنا إلى نهاية الطريق، اعترف بقدراتك، وبأنك مُجبر ولا تستطيع، وأخلِ سبيلي، فما عدت أرى أمنًا بقربك، وأُعفيك من كل حق عليك، وأُنزهك من كل لوم وعيب، فما ضاع من العمر راح، وما أبقيتني معك إلا لتزيدني من الجراح، فلا ذكرى جميلة، ولا البال بقربك استراح”.

تجهم وكأن فيض كلماتها وابل رصاص، ولكنه بقدر ما انزعج من كل ما سببه لها من وجع، أحس أنها هم وانزاح، رمقها بنظرة أخيرة كلها غيظ وشرر، وكان يصارع زيف المسؤولية بألا يفعل، ولكنه في حقيقة الأمر يريد، وهمّ منصرفًا لوداع وتخلٍّ، فما كان منها إلا أنها تبعته وأغلقت الباب بعنفوان.

لم تكن يومًا حرة مقدرة، ولا موصولة مقربة، وخَلَعَت ثوب التردد للأبد!

مقالات ذات علاقة

ردهة صغيرة

صفاء يونس

مشاعر

المشرف العام

كنا معا..

المشرف العام

اترك تعليق