طيوب النص

أمسية “الحركة النقدية في ليبيا” ….. لم تكتمل(*)

من أعمال التشكيلي محمد حجي.
مثقف من أعمال التشكيلي محمد حجي.

(1)

الحركة النقدية في ليبيا …. هذا هو عنوان الأمسية الثقافية التي عقدت يوم الثلاثاء الماضي (الموافق 28 أكتوبر 1997م) ضمن البرنامج الثقافي الذي تقيمه مشكورةً إدارة مجمع الفتح الثقافي والتي تضمنت محاضرةً أكاديمية ألقتها الأستاذة فاطمة الحاجي، وملامسةً واقعيةً لمسيرة النقد في ليبيا تناولها الأستاذ محمد أحمد الزوي.

ومن خلال هذه المشاركة في تغطية الجوانب المتعددة والمختلفة لموضوع النقد أعتقد أن هناك رؤية غير واضحة بصورة جيدة بالنسبة للمنظمين والمعدين في تناول موضوع الأمسية أو المحاضرة أو الندوة … الخ ، بشكل تفصيلي محدد ، فأصبح كلٌّ يغني على ليلاه، مما أدى إلى ضعف النقاش الموضوعي التحليلي الدقيق والصريح لهذا الجانب الهام في الحياة الثقافية عموماً ، وأحياناً عديدة إنحرف هذا النقاش ، عن محاوره المفترضة وصار مجرد مناوشات شخصية ، رمزية مبطنة ومباشرة سافرة ، أساسها للأسف الغرضية و”الأنـــا ” … والــ “نحن” فقط ، مما عرّض العلاقات الشخصية بين البعض للإنهيار وعكّر جو هذه الأمسية الخريفيـة التي يجب أن نسعى لإستمراريتها والتواصل فيها وعبرها.

فالأستاذة فاطمة الحاجي قدمت عرضاً جيداً جميلاً حول النقد تناولت فيه أهميته ومناهجه البنيوية وتجارب الأخرين فيه، وخاصة التجربة المصرية وتجربة المغرب العربي، كما قدمت لمحةً قصيرةً جداً عن بعض الكتُّاب الليبين الذين كتبوا في النقد وحاولوا أن يتخصصوا في هذا الجانب الأدبي.

والأستاذ محمد الزوي بحكم تجربته وخبرته في ممارسة هذا النوع من النشاط الأدبي المتميز أراد أن يغوص في أعماق المشكلة الأساسية وأساب غياب النقد حالياً عن الساحة الأدبية، وحاول أن يتناول الظروف التي تواجه النقد والحالة التي هو عليها الآن، ويقارنها بالفترات السابقة ويفجر هذا الموضوع -على حد قوله- الذي تأجل طرحه للنقاش عدة مواسم ثقافية سابقة .

ومن هنا صار الخلط والتباين الواضح في الإعداد والترتيب لهذه الأمسية من الناحية التنظيمية والتي كان -حسب وجهة نظري- من الأفضل أن يتم تقسيمها إلى جزئين منفصلين بحيث يتناول الجزء الأول إستعراض النقد ومدارسه المختلفة ومناهجه وبعض التجارب العربية والأجنبية الهامة، بينما يخصص الجزء الثاني في أمسية منفصلة لمناقشة تجارب النقد والنقاد ومشاكل النقد والعوائق التي تعترضه في ليبيا.

وبهذا الشكل نستطيع أن نمهد في الجزء الأول بشكل غير مباشر للموضوع الذي نريد أن نفجره في الجزء الثاني!

(2)

الحركة النقدية في ليبيا …. موضوع شامل من الصعب تناوله في أمسية واحدة ، فعن أي جانب من جوانب النقد سنتحدث … الجانب الاجتماعي، الجانب الصحافي والاعلامي ، الجانب الإذاعي ، الجانب الأدبي … وأعتقد بأن هذا الأخير هو المقصود بموضوع أمسية الحركة النقدية في ليبيا ، وهذا لا يعطي إلاّ بعداً واحداً للصورة، وحتى وإن كان هو الأهم فإنه لا يلغي أو يقلل من أهمية الجوانب الأخرى، لذلك تمنيتُ لو كان العنوانُ واضحاً ومحدداً الجانب الذي سيتم تناوله، على أن لا نغفل الجوانب الأخرى.

والنقد الأدبي بالتأكيد هو إنعكاس لحالات الإبداع والتألق الفكري التي يسمو بها أفراد المجتمع حين يكون المناخ الديمقراطي رحباً، يتسع صدره لكل الأراء والتيارات والأفكار ويتفاعل مع إختلافاتها وتنوعها، ويقبلها بكل تجرد من حيث كونها نتاج إنساني خلاّق فقط، يساهم في مسيرة الحياة ويضيف إلى التراث الإنساني نمطاً وشكلاً وفكراً آخراً.

وبطبيعته فإن النقد يستمد خصوبته وتطوره وإستمراريته من إختلاف وتعدد وسائل التعبير شكلاً وموضوعاً، ويموت وينتهي في الآحادية -أي في النوع الواحد، والنمط الواحد، والشكل الواحد، والرأي الواحد، والقالب الواحد- لأن الإبداع الحقيقي هو وليد أو نتاج هذا التنوع الطبيعي في الحياة بجميع أشكالها وألوانها وطقوسها، وليس هناك أي إستمرارية حقيقية للحياة بخلاف ذلك، لأن التنوع والإختلاف في الآراء والإتجاهات يخلق ديناميكية فكرية وتيارات متصارعة تتفاعل فيما بينها بشكل إيجابي فتثمر وتخلق إستمرارية وتواصل بين الأجيال والأفكار الإنسانية.

والحركة النقدية الأدبية في ليبيا بطبيعتها تأثرت كثيراً، مثلها مثل غيرها، بالتطورات التي شهدتها الحياة الاجتماعية في ليبيا، وبالتالي فهي لابد أن تسجل نقاطاً إيجابية حين يرتقى السياق اليومي للحياة الاجتماعية إلى الأسلوب الحضاري الإبداعي الراقي، بينما تسجل نقاطاً سلبية حين ينحدر هذا السياق إلى الأسلوب المتخلف المتردي إلى صراعات فكرية بالية.

ويبقى السؤال المهم أي النقاط كانت أكبر؟ ومتى؟ ولماذا؟ وكيف؟.

(3)

الحركة النقدية في ليبيا …. في إعتقادي أن هذه الأمسية لم تكتمل لأن عدم الإتفاق في أسلوب عرض موحدٍ لها جعل المتحدثين لا يتناولون الجانب العملي الواقعي لظروف النقد في ليبيا بشكل تحليلي دقيق ويتجاوزونه إلى فضاءات أرحب … وأوسع … وأشمل …. وربما أسهل. وهذا بالتالي يبعدهم أو ينقذهم من الخوض والغوص في صميم أسباب المشكلة المعضلة الحقيقية ، ومناقشتها بكل جرأة وصراحة وشجاعة وموضوعية … فهل تتكرر هذه الأمسية ويتم الإعداد لها بشكل جيد ؟

(4)

مداخلة الأستاذ سليمان كشلاف شخّصت معاناة الحركة الأدبية النقدية في ليبيا ، واقتربت منها، واتسمت بالتحليل الموضوعي … تمنيتُ لو كانت بشكل أكثر عمقاً …. بينما مداخلة الأستاذ كامل المقهور علّمتنا أن لكل مرحلة زمنية حالة مد مثل إزدهار النقد الأدبي في فترة الستينيات، وحالة جزر مثلما لا نراه مزدهراً الآن، وسيكتب المؤرخون ذلك … دعانا الأستاذ الكريم أن نواصل الكتابة بكل أشكالها وألوانها وندع الفرز والتقييم للغد الآتي على صهوة الزمن …. وأن نجعل الصدأ لا يقترب أبداً من روؤس أقلامنا …. وأفكارنا.


(*)  نشرت هذه المقالة بصحيفة “الشط” العدد رقم 426 الصادر بتاريخ 04/11/1427 (1997م)، الصفحة رقم 11

مقالات ذات علاقة

جثة

خالد الجربوعي

لم أكن متأخرة

نورهان الطشاني

الطقس حار جداً

صلاح يوسف

4 تعليقات

د. فاطمة الحاجي 10 مارس, 2021 at 08:25

للاسف كانت امسية حزينة تلك التي اكتشفت فيها عدم الموضوعية في تناول قضايا مهمة ممن كانوا يعتبرون انفسهم اساتذة النقد. لا داعي لنشر ما لن يضيف شيئا واكتفي باعتذار المرحوم عن تجاوزه حدود الأدب في ندوة نقد الادب.

رد
المشرف العام 10 مارس, 2021 at 08:37

دكتورة فاطمة
نشكر مرورك الكريم
ونأمل مشاركتنا بما دار في تلك الندوة

تحياتي

رد
يونس شعبان الفنادي 11 مارس, 2021 at 11:43

شكرا لك دكتورة فاطمة على مطالعة المقال القديم الجديد … وشكرا على تعليقك … كنت نجمة الندوة تلك

رد
المشرف العام 11 مارس, 2021 at 17:05

الشكر موصول لك أستاذ يونس ولهذه الإطلالة

رد

اترك رداً على د. فاطمة الحاجي