طيوب البراح

فُندق تيبستِي

موسى محمد الفاخري

من أعمال الفنانة التشكيلية “مريم الصيد”


كان بينّنا موعد في ذاك الفندق العتيق الجميل الذي يقع أمام المنتزه العائلي مباشرةً، لحضور ندوةً عن الصحة النفسية يوم العاشر من شهر أكتوبر العام الماضي، في قاعة مخصصة للمؤتمرات..

وقد حضرتُ أنا أولاً وكنت لا أشعر أنّ الذي يتكلم أن كلامه سيكُولوجياً، ولأكون منصفاً للوضوح لم أشعر حتى بصديقي الذي يجلس أمامي مع محبوبته، كانت الغوغائيّة متسلّطة على عقلي حتى حضورها..

رنّ هاتفي فجأة فرددّتُ عليها قائلاً لماذا تأخرتِ، فقالت أنّها كانت تبحثُ عن القاعة ولم تجدها، فأجبتُها أين أنتِ الآن؟ وسأحضر لكِ حالاً..

ثم خرجتُ باحثاً عنها لأجدها أمامي.

كانت كعصفورٍ أضاع عُشه، تنتابُها حيرة كطفل خائفاً دون أمه.. وحين تلاقينا تصافحنا وتبادلنا الابتسامات وعدنا معاً للندوة، دخلنا وجلسنا بجانب بعض، كنتُ أجعلها تمشي أمامي لتجلس أولاً وكأننّي أبٌ يحافظ على صغيرته أمام ذاك الحشد أخر القاعة،

تغيرت المعطيات بعض الشيء، فبحضورها بدأت مع أصحاب الندوة بفهم لبَّ الصحة النفسية..

تارةٌ مع من يتكلم في القاعة وتارةٌ معها، أمازحها وأخلع لها حذائها برجلي كي أرى ضحكتها ترتسم على ثغرها وأتلذّذ برؤيتها، بقينا نتشابكُ بالأيادي معظم الوقت وأحتل اللاشعُور ذلكَ الموعد..

فأخذّ أهل الندوة راحتهُم لوجبة الغذاء، ونزل كُل من بالقاعة إلى صالة الأطعمة والمشروبات أما نحنُ فأصبحنا نسير إلى لا معلوم، نجلس هنا وهناك ونصعد الدور الأخر ثم ننزل ثم نجلس، حتى أنّنا ألتقطنا بعض الصور في الممرات، وكّان صدى ضحكتنا يجتاحُ الفندق..

ثُم نزلنا وجلسنا على طاولة في منتصف الصالة، فقالت لي: ألا تشم رائحة البصَل؟!

استغربت مجاوباً: لا! لما هذا السؤال الآن؟

قالت لي: إن أمِي كانت تطهو وكان حجابي هذا أمام باب المطبخ، وأشعر أن رائحته بصل.

فأجبتُها مغازلاً: كيف يوجد رائحة بصل عليك وأنا الذي قد ثملت من رائحة عطرك، تعود ضحكتها مرة أخرى ترتسم على ثغرها وأعود أنا للتلذذّ بهذا السحر..

بعد وَمضة من السّكون وتلاحم الأعين وتسارع في نبضات القلب وازدياد ثمالتي بخمرة عينّيها، وازدياد احمرار وجنتيها.. بقينا معاً ما يقارب الأربع ساعات، وقبل اقتراب وقت انتهاء الندوة، سألتها ممازحاً: هل نحنُ هنا كعرسان جدد أم ضيوف ندوة؟!

فضحكت مليء شدقيها وأكملت دردشتها معي قليلاً ثم رحلت..

لم أعلم ما كان ينتابنِي من الداخل، أو كيف لي أن أخرج فرحتي في ذاك اليوم من اللاشعور إلى الشعور لأصفه لنفسي فقط، ساعات من يوم لم يسبق لي أن عشته ولم أعيشهُ مجدداً، وحين تحدثنا ليلاً طلبت أن أكتب لها ما حدث معنا داخل الفُندق..

وها قد كتبتهُ ولكن حين بعثته أخذه النصيب إلى بريد الذكريات، وأخذها هي إلى هاوية النسيان..

مقالات ذات علاقة

في الانتظار

المشرف العام

فما بعد العسر إلا اليسر

سمية أبوبكر الغناي

إليك يا بنغازي

المشرف العام

اترك تعليق