يشرع موقع بلد الطيوب في نشر رواية (الحرز) للقاص والروائي “إبراهيم عبدالجليل الإمام“، على أجزاء بشكل أسبوعي!! قراءة ممتعة للجميع…
48
سقطت وسط تمانحت البيت بعد أن دارت حول نفسها عشرات المرات على وقع ضربات انداكلال المصاحبة للعزف.. توقف موقد الجمر أخيراً عن إطلاق المزيد من سحب البخور.. انطفئت الجمرات كأنهن استنفذن كامل طاقتهن.. انجلت سحابة البخور.. هرعت الشقيقة إليها.. أوقفها القادم الغريب الذي ظهر فجأة كما اختفى فجأة.. قال:
– دعيها.. لقد بذلت جهداً خارقاً.
سأل شيخ العرش:
– هل نجحت في مهمتها؟
أشار برأسه.. ابتسمت الشقيقة وانفرجت أساريرها عن ابتسامة.. سأل الشيخ مجددا:
– هل انتهى كل شيء؟
أشار برأسه نافيا هذه المرة.. تساءل الشيخ مجداً:
– ماذا بعد؟… متى تستفيق هذه المسكينة؟
قال الغريب:
– أيقضوا الطفل أولا.
بصعوبة بالغة استطاعت الشقيقة إيقاظه.. غسلت وجهه بالماء البارد بعد أن أحست بحرارة شديدة تنبعث منه.. أجلسته في الكوبت.. طلب منها إطعامه سبع تمرات.. كما أرسل أحد أعوان شيخ العرش لطلب من عازف الغيطة الاستعداد لوصلة عزف .
استيقظت الشقيقة تتصبب عرقا.. شربت ماءا كثيرا.. احتضنت الطفل.. قبلته قبلة طويلة.. سالتها الشقيقة في لهفة: – هل رأيته؟
– نعم.. رأيته ولمسته.. ابتسم لي ايضا… وجدته جميلا مبتسما. – الحمد لله.
– كدت اختطفه .
– ربما لو فعلت لفقدناكما معا .
من مجلسه بوسط التمانحت سألها القادم الغريب:
– هل انت على استعداد للذهاب مرة أخرى؟
أشارت برأسها موافقة.. قال:
– هذه المرة ستكون أصعب وأعنف.. سيحولون بينك وبين انجاح المهمة .
أضاف بعد مرور وقت .
– جهزي الطفل.. ألبسيه هذه التميمة.
كان العازف العجوز يهيء غيطته في سطح البيت.. تحلقت حوله جوقة من أمهر ضاربي الدفوف.. يقال أن شيخ العرش أرسل في طلبهم ما أن علم بأمر استدعاء العازف.. آخرون يقولون انهم قدموا دون دعوة من أحد بعينه.. سماعهم بدعوة العازف العجوز لمجلس أنس يعني ضمنا دعوتهم مصحوبين ببناديرهم.
في ساحة مجاورة لبيت شيخ العرش ازداد عدد المنتظرين لوصلة عازف الغيطة.. وصل بعض الكهول من عروش مختلفة.. في ساحة أبعد قليلا من البيت تجع الشباب والفتية.. يقال أيضا أن بعضهم ترك نوبة سقايته في بستانه وهرع للسماع.. أما حوانيت سوق تصكو فقد اغلقت ابوابها مبكرا لأول مرة في تاريخ الواحة.. تجمع بعض التجار في بيت كبير تجار العرش القريب من بيت شيخ العرش.
قال القادم الغريب لها بعد عدة وصايا وتعلبمات:
– دعيه الآن .
احتضنته بقوة.. قبلته مجدداقبلة طويلة.. بثت فيها لوعة أم تفارق ابنها.. بكت طويلا.. بكى لبكاءها.. بكت الشقيقة كذلك.. أخير قرر القادم الغريب أنه آن أوان المغادرة من جديد.. الذهاب إلى عالم مختلف.. هذه المرة كانت الوسيلة مختلفة.
إنها الغيطة ..
ستكون معركة صعبة.. معركة أخيرة. معركة فاصلة.. ستخلدها الجدات في حكاياهن للأحفاد.. ستصوغ شاعرات الواحة اشعار جمكيلة وماسية تخلد هذه الواقعة… سرقص على وقع لحنخها الشبان والفتيان وربما العرسان في حفلات هرسهم.. لن يحدث ذلط إلا بشرط واحد: استعادة الرضيع الضائع.