حكايات حكيم
استيقظ حكيم في الصباح الباكر، تمرن على دراجته الرياضية، تمارين سويدية، ثم أخذ حماماً، واعد فطوره بسرعة وخرج في حيوية ونشاط، سقى حديقته الصغيرة، رأى جارته فقال: صباح الخير يا سالمة، فردت عليه، قائلة: (هاي)!
استغرب حكيم وقال: لنفسه ماذا بها؟ كنت ألقى عليها تحيه الصباح لا ترد، واليوم قالت شيئا جديدا، ابتسم وحرك رأسه في تعجب وأكمل مشواره إلى العمل. وإذ بالناس قد تغيروا من حوله ظن للحظات انه في مدينة اوربية؛ رجال يرتدون (البرموده)!، ونساء يرتدين ملابس غريبه وشفافه تكاد ترسم اجسادهن! فرك عيناه وقال: ربما أضغاث احلام! لا يعقل أن أرى هذا في مدينتي المحافظة؛ مدينه الاخلاق والقيم، والشهامهة، والرجوله، لا ليست هذه مدينتي؟
وقف في المحطه بانتظار حافلة العمل وأحمر وجه خجلا مما رأه: نساء عاريات متبرجات ورجال من الجيل الثالث: لا نخوة لهم ولا غيره (أشباه رجال). ركب الحافلة إذا بالركاب يتغامزون ويضحكون عليه حيث كان يرتدي بدله صيفية، قال وهوا مندهش: ما يضحككم.
جلس جانب صديقه وسأله مستغربا: ماذا جرى للناس يا صهيب؟
قال صهيب: الناس هم الناس يا حكيم. فجاءة علا صوت كاسيت الحافلة أغنيه غريبة الكلمات يقول مطلعها: (بحبك يا حمار) ضحك حكيم حتى بانت نواجذه من كلمات الأغنية. بادره صديقه صهيب قائلا: أصمت وأستمع إلى الفن الجميل!
نظر حكيم حوله وجد الركاب منسجمون مع الأغنية ويهزون رؤوسهم طربا بها. قال حكيم لنفسه: ماذا جرى؟ أهبط ذوق الناس لدرجه أنهم يسمعون ويستمتعون بهذه الأغنية المبتذلة!
دخل إلى المكتب ولسان حاله يقول: هل الناس على صواب، وأنا على خطا؟ أم كل الناس على خطا؟
دخلت عليه المديرة ترتدي بنطلون (استرتش) لونه احمر وقميص ربع كم وردي اللون وشعرها مقصوص (كاريه)، اما وجهها فملطخ بمساحيق التجميل حتى اختفت معالمه الأصلية. قالت له: اين الملف الذي اعطيتك إياه بالأمس؟
فتح عينه وهز رأسه، وفي قراره نفسه يقول: هذا هي المديرة؟ ام إني أحلم؟ السيدة ذات الخمسين عاما كانت لا تفارقها العباءة والطرحة لا تغادر راسها، ماذا حدث لها أأختل عقلها؟!
خرج حكيم مسرعا تاركاً العمل وراءه ويصفق يد بيد ويتمتم: لا حول ولا قوه لا بالله. مشى هائما في الشوارع بلا هدف وأخذ يتأمل في المباني ويقول: المباني هيا، هيا الشوارع والناس هما هم، ولكن ما الذي جرى؟ ثم صاح مرددا: الأ يوجد رجل رشيد يدلني؟ (كررها أكثر من مرة).
كان يمشي بين الناس وكأنه لا يعرفهم ينظر بدهشة في وجههم وملابسهم إذا بشخص (ملتحي بلحية خفيفة)، يرتدي بدله قال له حكيم: يا أستاذ ماذا حدث لرجال المدينة؟ هل هناك شيء غير أذواقهم، وأسلوب حياتهم. هل يعقل يوم وأحد يحدث فيه كل هذا؟
قال الرجل الملتحي: يا اخي، الناس مسحورين ومفتونين بالحضارة الغربية، وأمريكا لها دور في ذلك. قال حكيم مذهولا: أي سحر هذا؟ وأي أمريكا؟ بل شيء أكبر من هذا وذاك: شيئا فكري حدث ليلة أمس غير الناس هذا وباء، نجونا منه أنا وأنت فقط، يجب الأ نفترق حتى يتضح لنا الأمر واردف حكيم قائلا: حان وقت الصلاة، لنذهب ونصلي الظهر، ثم نفكر ماذا سنفعل.
قال الرجل الملتحي: انا أصلي في البيت. قال حكيم مستنكرا: ما بالك يرجل هذا المسجد أمامك. قال الملتحي: انا أصلي في بيتي.
– حسنا حسنا لنذهب إلى البيت نصلي جماعه.
دخل حكيم وجد زوجة الرجل وبناته على شاكلة الناس في الخارج . قال له الملتحي أدخل يا حكيم إلى غرفه الزوار. قال حكيم مستهجنا: لقد عرفت البيت سأذهب لأصلي بالمسجد وأعود.
حدث نفسه قائلا :(من بره هالله هالله ومن جوه يعلم الله). دخل المسجد وجد به ثلاثة مصلين فقط، وبعد الصلاة سال حكيم إمام الجامع: اين المصلين. قال مستغربا: المسجد اليوم فارغ تماما ولا أدري سببا لهذا.
_قام احد المصلين وقال: ان هناك كائنات غريبة وصغيرة لها رائحة كريهة تتطاير هنا وهناك، تفرز سموما تصيب العقول، وتضرب القيم الأخلاقية تسمى: (سيكولورزم).