كان هذا حلمها مند سنين. ينمو ويكبر ويشيخ ولكن لا يتحقق، كانت هذه الجدران تأكل ايامها دقيقة بدقيقة، فما يمتص رحيق الحياة منها وهي صاعدة هذه الدرجات الخمسة في المنزل الذي تقيم فيه، والذي يقع في أحد أطراف حي الحرية، هكذا يسمى الحي، في تناقض عجيب وتنافر بين المفهوم والمقصد، فهو ابعد ما يكون عن مفهوم الحرية في السياسة. السجون تئن بالمسجونين والقبور تشهد على من تجرأ ونطق بكلمة لا ترضيهم او تشتم منها رائحة الحرية.
فما إن صعدت الدرج، حانت منها التفاتة غير معتادة لمحت ابن الجيران، عرفته مذ كان طفلا وكانت تلعب به وتدلله وتحلم يوما ان يكون لها مثله، هو الان يفتح الباب لينزل ابنه البكر واخته الصغيرة، فيما زوجته نزلت من الباب الاخر للسيارة، وبطنها يسبقها، دلالة على قرب قدوم المولود الثالث، خطت الخطوة الاخيرة داخل المنزل الذى كان يضج بصخب الحياة، ولكن الجميع رحلوا ليبنوا لهم أعشاشا جديدة، فيما رحل الاب رحلته الاخيرة الى مقبرة البلدة منذ 5 سنوات مضت ولحقت به أمها بعد ذلك بعام، مخلفة لها فراغا لا يمكن وصفه أو تصوره، أحست ساعتها انها كبئر عميق أجوف، جف مائه ولم ولن يرد اليه احد.
ظلت الأيام تجرجر بعضها والسنوات وهي كما هي، تدوي بين جدران وسقف بيت بارد لا حياة فيه ولا ضجيج، كل محاولاتها باءت بالفشل بان تبحث عن وليف، ولكن لا فائدة كل من تلتقيه يغادر على عجل إما يكون كأصغر اخوتها، أو كوالدها.
كان لها من الاخوة 4 ومن الاخوات 3، كلهم ما ان تنموا أجنحته حتى يبنى عشه ويطير الا هي ظلت الايام تعاكسها دائما، لم يُبنى العش ولم يمر الوليف! كم حلمت به على حصانه الابيض يطل ليخطفها! مستعدة ان ترضى بكل شروطه، ان تتنازل عن الكثير أو كل أحلامها، ولكن كل ذلك ذهب أدراج الرياح…