
فـــرارٌ
حظر إلى مكتبه مُسرعاً، لمْ يتناول حتى طعام فطُوره، ولمْ يُحكم رَبْطَ خُيُوط حذائه الرَّماديِّ البالي، وحين صعد سُلَّم الدرج المُوصل إلى مكتبه نظر إلى نفسه صُدفةً في مرآة مُعتمة قديمة كانت هُناك، فتوقف بُرهةً، شعر فيها لأوَّل مرَّةٍ أنَّهُ بشرٌ!، أحْكَمَ رَبْطَ خُيُوط الحِذَاءِ، ومزَّق قناع الزَّيف الذي يرتديه، ثُمَّ قدَّم استقالته، وفـرَّ إلى زنبقته الحزينة، ليُكمـل معهـا مشـوار الحياة القصير..
رَحِيــلٌ
كانت أمِّي تتفقَّـدُ غُـرفتي الصَّغيرة كلَّ يوم، تلملمُ أوراقي المُبعثرة، تُنظِّفُ مكتبي المُزدحم بالفـوضى، ترتبُ سريري المُهترأ، وعندما أُعُـودُ من المدرسة أَجدُ كلَّ شَيءٍ هُنا على ما يُرامُ، وأبدأُ في مُسلسل نزقي المُمتعِ من جدِيدٍ، في ذلك اليوم لَم أُصدِّق ما حدث، فـوضى غُرفتي على حالها، كُلُّ تفاصيلي الطفُوليَّةِ كما هي، دُهشـتُ..، حَزِنْتُ..، وأَدْرَكْتُ أنَّ أُمِّي رحلت عن البيت، لكنَّ حنَانها المُتدفِّقِ بلا نهايةٍ لَن يُغادرَ قلبي أبداً.
حَبْكَـةٌ
بدأ أخيراً في كتابة أقصُوصته الجديدة، لم يختر لَهَا اسماً بعدُ، أخذ يرسمُ خيُوطها بعنايةٍ، بَدَتْ حَبْكَتُها الدَّرامِيَّةُ مُحْكَمَةَ التعقيد والاختزال، بياضُ الورقة أَمام قلمه القَديم يُغـري بمزيدٍ من الانغماس في بُحُور الكتابة اللامُنتهيـة، الشخصيَّاتُ والتفاصيلُ تلتمعُ في ذاكرته المُترعة بالتناقُض، تُومضُ بشدَّةٍ، فيكتُبُ قليلاً ثم يغلبهُ النعاسُ فيتوقفُ مُستسلماً لسُلطـان النـوم.