سرد

رواية الحـرز (31)

يشرع موقع بلد الطيوب في نشر رواية (الحرز) للقاص والروائي “إبراهيم عبدالجليل الإمام“، على أجزاء بشكل أسبوعي!! قراءة ممتعة للجميع…

جامع مدينة غدامس القديمة (الصورة: عن الشبكة)

31

استمع لها بتركيز.. ليس بأذنيه فحسب.. بل بكامل جوارحه.. لم ترمش عينيه رمشة واحدة طيلة استماعه.. ظل يرمقها بنظرة متفحصة.. كأنه يقرأ من خلالهم شيئا.. او جعلهما كمرآة يرى فيهما ما تبوح لها به.. حين انتهت رفع رأسه صائحا:

– تستور يا اسيادي تستور يا اسيادي .

حذرها قائلا:
– إياك أن تتحركي أو تتكلمي حتى آذن لكِ.. إياك.
 رش مزيدا من مسحوق البخور الكريه على جمرات كانونه.. ارتفعت سحابة بيضاء من البخور.. أضاف شيئا آخر تناوله من كيس صغير كئيب اللون.. ارتفعت سحابة سوداء هذه المرة.. التحمت مع سحابة البخور.. امتزجتا.. كانت تتابع ما يحدث أمامها بقلق ممزوج بشيء من الخوف.. استغربت توقف السحابتين ببنها وبين الفقيه.. شكلتا حجاب بينهما.. ثبت نظره على كانونه الذي أحمرت جمراته.. لم تتوقف شفتيه عن التمتمة.. مر وقت طويل.. بعدها صاح مجددا:
– تستور يا اسيادي تستور.

رش مزيدا من البخور.. ارتفعت سحابة البخور لتمتزج بسابقتها.. التحمت بها.. انفصلت تلك السحابة السوداء وعادت الى الكانون الذي ازدادت حمرة جمراته بشكل ملفت.. انتشرت سحابة البخور لتنشر رائحتها البغيضة الخانقة في ارجاء التمانحت الخالية من أي مرايا.. لم تلحظ ذلك إلا الآن..
 – يحذرونك من المساس به.. انهم كذلك يبحثون عن وسيلة لاسترجاعه.. إياك ثم إياك أن تخبري أحداً.. التهاون في أمر السر لا يحرمك من ابنك فقط بل يعرضك لما هو أفضع.

تجرأت قائلة:

– لكني اخبرت الشقيقة بذلك وهي تعينني على أمره.

– لا بأس.. لكن حاذري.. هناك من يسعى لإفساد الأمر.. ابنك في خير ما لم يتسرب السر للخصوم

– أخشى أن يراه احد ويكتشف اختلافه عن باقي الاطفال.. كما أني اخشى عودة زوجي من رحلته فسيكتشف الأمر بسهولة.

همت بقول شيء.. أشار لها بيده فصمتت. رش مزيدا من مسحوقه.. تمتم كثيرا كأنه يخاطب كانونه.. صاح صيحته المعهودة لأسياده.. قال بعدها:

 – قد يطول الأمر قليلا.. لكنهم لن يتوقفوا حتى يستعيدونه.. قد يخوضون حرباً ضروساً لاسترجاعه..

أضاف أيضا بعد سحابة بخور أكثر كثافة:

 – يعلمون صعوبة ما تعانيه من آلام الفراق.. سيعيش بينكم كبشري.. إلى حين استرجاعه.. لن يكتشف أحد أمره ولن يلحظ احد الفرق.

 سألته بعد أن سمح لها بالحديث:
 – لماذا ابني دوننا عن سائر الأطفال؟.. ما الذي يجري يا سيدي الشيخ؟

 همهم وتمتم لكانونه بعد ان رش مسحوقه الكئيب.. أشار برأسه صائحا:

– حاضر يا سيادي.. تستور تستور تستور.

 تغيرت ملامحه.. اختفت حدته.. كان كمن استبدل وجهه بوجه آخر.. أقرب للبشر منه لذلك الوجه المريع الذي استقبلها به.. شرع يسرد:
– كانت حربا ضروسا.. جرت في وقت بعيد لم نخلق نحن فيه بعد ولا آبائنا ولا حتى أسلافنا.. حتى واحتنا هذه لم يكن لها وجود بعد.. جرت معركة هنا.. أو بالقرب من هذا المكان.. قتل فيه أعداد هائلة من طرفي النزاع .
– على ما كانا يتنازعان؟

– السيطرة.. السيطرة على كامل هذه الصحراء.. يقولون أن من يحكم قبضته عليها يحكم الأرض كلها.. عاليها وسافلها.. الصعوبة تكمن في السيطرة على أسفال الصحراء أما أعاليها فالأمر هين ولن يستغرق منهم وقتا لهذا يرجؤون ذلك لحين الانتهاء من صراعهم .
 – ما علاقة ابني بصراعهم؟

– تحتاج الحرب لسلاح ماضٍ لحسمها.. قوة السلاح تعني سرعة الحسم.
– هذا يا سيدي لا يجيب على سؤالي.. لازال الأمر غامضا علي.. – هم في هدنة توشك على الأنتهاء.. لقد اضنتهم الحرب فعقدوا هدنة.
 – هدنة؟

 – الهدنة هي فترة قصيرة يتفق عليها المتخاصمان.. لا يتقاتلون فيها.. انهم يمنحون انفسهم وقتا ليس للراحة بل للاستعداد والحشد وعقد التحالفات والبحث عن أسلحة تحسم الموقعة القادمة بينهم لا محالة.
– يبدو انها هدنة قصيرة .
 – نعم ربما ألف عام فترة قصيرة بحساب أهل العالية.. أما عند أهل السافلة فهي قصيرة جدا وبالكاد تكفي لالتقاط انفاسهم.
– ألف عام؟.. هل سأنتظر الف عام؟

مقالات ذات علاقة

رواية الفندق الجديد: الفصل العشرون

حسن أبوقباعة المجبري

من رواية ”الأطياف الناطقة“

خيرية فتحي عبدالجليل

النص الذي ينزفنا

عبدالسلام سنان

اترك تعليق