متابعات

مبدعات زمن الحرية: المثقفون خذلوا الثورات

جميلة عمايرة: المرأة أثناء الكتابة تكتشف ان لذاتها كأنثى وضعا اعتباريا مغايرا لزميلها الكاتب داخل سلم القيم والأفكار والقيود والمحددات المفروضة.

عن ميدل ايست أونلاين

شهدت الجلسات الأولى من ملتقى مبدعات عربيات في زمن الحرية والذي يقام بمدينة بنغازي الليبية مناقشات ساخنة حول مصطلح الأدب النسوي وما يداخله من إشكاليات ترتبط بالإبداع والمجتمع العربيين، وإصرار الكاتبات على استخدامه، ودور الأدب الشعبي في صياغة الحماسة الوطنية أثناء الثورة، ومشاركة النخبة النسائية المثقفة في الثورة، حيث أكدت المشاركات قوة وفاعلية الدور الذي لعبته المرأة سواء مثقفة أو عادية من خلال القصيدة الفصيحة أو العامية الشعبية أو الانضمام للخلايا السرية أو التطوع في الخدمات الاجتماعية والإنسانية، مما جعلها تمسك في أغلب الأحيان بزمام المبادرة والتشجيع على الاستمرار، وأن إبداع الشارع كان قويا وملهما في استنهاض الشعب.

ففي دراستها حول المرأة والكتابة في سيرة الثورة الليبية أكدت د. تركية عبدالحفيظ أستاذ علم الاجتماع بجامعة طرابلس أن المثقف الليبي عانى صنوف القهر وألوان التعسف والظلم طوال حكم القذافي ديكتاتور العصر، وقالت: “حين اندلعت شرارة هذه الثورة ثورة السابع عشر من فبراير، التحق بعض المثقفين بركبها واختفى بعضهم وهادن وتاجر بدماء الشهداء البعض الآخر، فالخوف والرعب من أجهزة القمع والبطش كانا سيد الموقف. قلة فقط استطاعت أن تساند هذه الثورة، فهناك من التحق بالثوار وهناك من أعطي له براح من الحرية، ليشارك بكل ما يستطيع لأنه كان موجوداً في مناطق قد تحررت أو استطاع الوصول إليها أو إلى دول أخرى مجاورة أو حتى بعيدة”.

ورأت أن المتتبع للحركة الثقافية في ليبيا أثناء حرب التحرير، يلاحظ أن هناك خرسا قد أصاب معظم المبدعين فيها، تعددت الأسباب ولكن موقف سجل على الكثيرين منهم. وأضافت “باستخدام منهج دراسة الحالة اعترفت بعض الكاتبات بأن الحدث أكبر من أن تكتبه، وأشارت حالات أخرى إلى أنهن كتبن يوميات الثورة، كما أن هناك من رأت في الكتابة ترفا، وأن دورها يحب أن يكون أكثر فاعلية ومشاركة، فالتحقت بالخلايا السرية في المدن غير المحررة وبالعمل التطوعي الخيري في المدن التي تحررت سريعاً أو التي ظلت تحت القصف اليومي شهوراً طوال”.

وكشفت عن أنه في الوقت الذي سجل فيه غياب سلاح الكلمة عند النخبة المثقفة المبدعة المعروفة، رفعت القاعدة الشعبية هذا السلاح حيث برز من هذه القاعدة “إبداعات فنية وأدبية وثقافية كالموسيقى والغناء والرسم الناقد والقصيدة الفصحى والعامية، وكذلك المقال الصحفي الحر، وكانت القصيدة الشعبية هي الأكثر تأثيراً وقبولاً من العامة، فكانت تقارع القذافي بالحجة وترميه بالكلمات المدججة بالثقة وبالعزم والإصرار على تحقيق النصر، ولعل أهم القصائد تلك التي كانت رداً على سؤال قاتل شعبه، من أنتم؟ ورداً على طعن سيف أبيه في كرامة الليبيات اللاجئات في تونس الشقيقة.

وبالتالي يمكن القول إن الكلمة المقاتلة في ثورة السابع عشر من فبراير لم تكن نخبوية، إنما هي شعبية شعبية، ومثلما لعب الأدب الشعبي دوراً لا يستهان به في معارك الشعب الليبي ضد الاحتلال الإيطالي في دعم المجاهدين، وتوثيق ملاحم الجهاد كان للأدب الشعبي دوره المهم في معارك حرب التحرير الأخيرة ضد الحكم الدكتاتوري الجائر”.

وأكدت عبدالحفيظ أنه في هذا الحراك الشعبي شاركت المرأة الليبية بكل قوة، فظهرت مبدعات ليبيات لم يكن معروفات، ولم يمارسن فعل الكتابة قبل هذا، هن نساء من القاعدة الشعبية، حفيدات الشاعرة أم الخير العبيدي شاعرة معتقل البريقة، والشاعرة عناية ابنة المجاهد سالم بن عبدالنبي الزنتاني، وحفيدات من قالت “خودي ولد ما يولي سوق البلى ما ايهابه”، فمثلما قالت وأبدعت الجدات، أبدعت الحفيدات بالقصائد الشعبية وبغناوة العلم وبالشتاوى، هذه المرأة كانت للثائر والشهيد أما وزوجة وابنة وأختا، صدحت بالكلمة، قالت الشعر وما يشبهه.

تقول عائشة أحمد في ديوانها الأول “ويظل الوطن أغلى” الذي أهدته إلى روح ابنها الشهيد وإلى روح أخيها الشهيد ولكل أرواح الشهداء وإلى كل أم ضحت بفلذة كبدها وإلى كل المجاهدين والمرابطين:

“تشرفت يا حلبوص انك وليد خوالي

وزاد الشرف يا حلبوص استشهد معاك الغالي

يا بطل يا حلبوص ياللي رفعت الروس

قاتلت ببطولة وفخر عالعرض والناموس

وعليت اسم مصراتة فوق في العالي

تشرفت ياحلبوص انك وليد خوالي

يابطل يا حلبوص تسجلت من الشجعان

وعرفوك في مصراتة كي ما انعرف رمضان”.

وفي قصيدة اخرى بعنوان “أوخي رحل” نقتطع منها هذه الأبيات:

“اوخي رحل بعيد علينا

وفي غيبته غير منو بيواسينا

عدا رحل لحنون

اللي كان سندي وكان ليا العون

وما انلومها كنهي بكت لعيون

ولا انلوم روحي اللي عليه جزينة

ناشد عليا ديمه

وماسح الدمعة من عيون يتيمة

ورافع عليا من الدهر تخميمة

وشايل على صدري إحزان دفينة

عدا رحل خلانا

الشجاع قال انموت لجل ثرانا

نفني وما نركع إلا لمولانا

ولا عاد هالظالم بيحكم فينا

اسمه املودة واللقب بن طاهر

وفي الناس عنده صيت كي الجواهر

وما ينتسى ذكراه ديما ظاهر

موقف رجولة والأفعال الزينة

قال لا ما انذلوا

ولا عالقضية يوم نرضوا انولوا

وعلي شرفنا احنى دوم مانتخلوا

ونجاهدوا على عرضنا مانملوا

مانا فقارا ربنا عاطينا

اوخي رحل عدا بعيد علينا وفي غيبته فير منو بيواسينا

اليوم الشهيد يابخته لحق صاحبه الحلبوص ووليد أخته

في ظل عرش الله يسكن تحته

في قصر زاهي واسعة تراكينه

ضحي من اجل بلاده

سيب أحبابه ورفقته وأولاده

قاتل وما وخر بقو ارادة

ليه الخلود كيما الخلد لأجداده

وراية العزة بيحملوها أحفاده

مصراتة الفخر والعز سطارينه

وفي قصيدة أخرى تقول :

وانفخر وانقول اني المصراتية

إني الصابرة إني الصامدة الأبية

المتعطشة للنصر والحرية”.

وفي رثاء الشهيد على حدوث العبيدي،

قالت:

“تشرفت مصراتة يا عبيدي بيك ومتشرفين أبطالها

مصراتة دونها الدم يسيل دونها الموت و دونها رجالها

شهادة معزة وفخر لصمودها وجهادها

من بطل ثاير حر لشموخها وعنادها”.

ونوهت تركية عبدالحفيظ أنه بالرغم من غياب أو ندرة الإنتاج الأدبي المنشور أثناء الثورة إلا أننا لا نتجاهل تلك الأعمال الرائعة التي قدمت هنا وهناك لبعض الكاتبات الليبيات، ومن أهمها قصص عزة المقهور وهي ابنة القاص كامل المقهور، والتي يمكن القول إنها كاتبة السرد التي تفردت بإنتاج سردي وصل إلى تسع قصص قصيرة كتبتها أثناء حرب التحرير، و”عن نفسي لم أستطع نشر أي شيء كتبته أثناء حرب التحرير إلا قصة قصيرة واحدة كتبتها عند اندلاع الثورة في 20 فبراير وأذيعت في برامج قناة ليبيا الحرة من مصراتة في منتصف أغسطس 2011″.

ورأت الكاتبة اليمنية نبيلة الزبير من خلال ورقتها التي عنونتها “عزل الذات” التي ناقشت فيها مفهوم الأدب النسوي، أننا نعيش في زمن الشارع بامتياز، وعلى اللغة وأدوات الكتابة أن تعي هذا المتغير، “جاء زمن الشارع ولا أقول زمن الحرية، وخرجت النساء بالملايين ولا أبالغ، وعندما جئن لنكون مجلسا وطنيا لم نجد النساء، وكذا عندما جاء وقت تشكيل حكومة، أين ذهبت النساء؟ لا تزال هناك مسافة واسعة بين النص وبين الواقع المعاش وأسهم العزل الذي ورثناه لغة وواقعا إنسانيا، ليتشكل عزل وإقصاء للمرأة المبدعة”.

وبدأت الكاتبة الأردنية جميلة عمايرة كلمتها بالتأكيد على أن الكتابة تعني امتلاك الجرأة على البوح، الأمر الذي يستدعي قدرا كبيرا من الجرأة والمكاشفة والحرية، وقالت إن الكتابة إشهار وإعلان للذات دون خوف أو خجل أو تردد. الكتابة في جوهرها فعل تحرير ومشاركة ومعاناة! فعل يعتمد التخييل والأحلام في محاولة لفهم الذات الواحدة والمتعددة في الوقت نفسه بهمومها وأحلامها وانكساراتها وأشواقها وتوقها لحرية غير منقوصة ترفع من قيمة الكائن الحي وتعلي من سقف رغباته بفضاء مشرع على الجمال والنقاء والخلاص والحق والحرية التي تصون كرامة المرء وتقدسه.

وأضافت “حين تكتب المرأة فهي تكتب لتعري ذاتها، وذات الآخر الرجل، المجتمع بكل قيمة وتمثلاته من خلال ذات فاعلة ومتفاعلة ترى العالم بعينيها المتفتحة والحالمة بعالم ترنو لأن يكون أكثر جمالا وأقل بشاعة. وإذا لم يتحقق شيء من هذا الأمل أو الطموح تكون الكاتبة قد حمت ذاتها من السقوط في مستنقع اليأس والكآبة وفقدان البوصلة واليقين. تكتب المرأة الكاتبة وهي تدرك أن فعل الكتابة محفوف بالمخاطر والمخاوف، وسوء الفهم وإساءة الظن، وإصدار الأحكام المسبقة، إضافة إلى السير في طرقات غير آمنة أصلا وغير مضمونة النتائج حتى للرجل الكاتب!”.

وقالت “تاريخيا أبعدت المرأة العربية ولحقب طويلة عن الكتابة، وغيب إنتاجها أو حجب بدواع مختلفة. مرة باسم الدين ومرة باسم العيب، وفي كل المرات كان من أجل ادامة الفكر الذكوري السائد والمهيمن تكريسا للاعتقاد الزائف والقائل “بأن للرجل العقل وللمرأة الجسد”. ولأن التاريح المعمم إنما هو التاريخ المكتوب من قبل الرجل فقد تم تجاهل العديد من أسماء النساء الكاتبات وطمس إنتاجهن وحجب تداوله. “كالخنساء” على سبيل المثال لا الحصر. إذا تم استبعاد إنتاجها الشعري في الغزليات والهوى وحجبه بحيث لم يصلنا سوى ما يريد الذهن الأبوي له أن يصلنا وهو شعرها بالرثاء؟ في حين أنها شاعرة مجيدة كتبت الشعر وأتقنته في مختلف الحقول!

وأضافت: لست هنا بمعرض ذكر الأسماء أو إيرادهن في أكثر من حقل كالخطابة والشعر والنثر والقص. أما في تراثنا الصريح حول المسألة، والذي لا يزال يتسيد المسلكيات الذكورية لا بل لدى المخفي من تفكير النساء، فإننا غالبا ما نراه وسط فئات اجتماعية تعيش بيننا لا تزال تعاين المرأة عورة، وتتجنبها اذا ما تمتعت بصفات ذكورية: كالحضور في التجمعات العامة، والأحزاب والمنتديات والخوض في القضايا الإشكالية، لعل السياسية أبرزها، الخ، وهكذا تدرج أو تصنف الكتابة بوصفها احد أشكال الظهور على الملأ على انها فعل ذكوري، فيما صوت المرأة وكلامها الشفوي قبل المكتوب لا يخرجان من دائرة تلك العورة التي ينبغي سترها!

وتساءلت عمايره ما الذي ستكتبه المرأة في مواجهة هذه الصورة المتشكلة وبالضد منها وهذا الإرث الطويل والثقيل من التجاهل والتغييب والإقصاء ينثر سواده فوق الرؤوس وداخل الأدمغة، وكيف لها أن تتميز عن زميلها الكاتب مثلما لها أن تتميز عن زميلتها الكاتبة أيضا؟

وقالت “أسئلة عديدة تدور في الذهن حين تهم المرأة بالكتابة أو تفكر بها. ذلك إنني لا أزال اطرح على نفسي أسئلة الكتابة/القراءة، محاولة التحديق داخلي عميقا لمعاينة ضعفي الانساني وهشاشتي، ولأبدد قلقي وشكي بصدق حينا، وبالتحايل والمراوغة أحيانا كثيرة. كل هذا لكي امتلك القدرة على مواجهة الحياة، وفي القلب منها ومن خلالها “فالحياة مواجهة” يبرز فعل الكتابة اولى اولوياتها.

وأوضحت عمايرة أنها عندما تكتب المرأة الكاتبة تماما كما يكتب الرجل الكاتب، متفاعلة مع المناخ العام والواحد الذي يجمعهما، فإنها وأثناء الكتابة تكتشف ان لذاتها كأنثى وضعا اعتباريا مغايرا لزميلها الكاتب داخل سلم القيم والأفكار والقيود والمحددات المفروضة، والتراتبية في مجتمع اسمه “الشرق” المحافظ الذي يجيد ليس تكميم الأفواه فقط بل تكميم الرغبات، وتحريم الأحلام، وتجريم الأشواق والأمنيات وإخراس العذابات إذا ما ارتفع صوتها. الأمر الذي يدع المرأة داخل “الصندوق الأسود” المغلق دائما، أو بالتواطؤ والسكوت عما يتضمنه أو يحتويه. لهذا فإن المرأة الكاتبة تحاول أثناء الكتابة ان تذهب إلى ابعد الحدود وأعمق الأغوار لتعبر عن ذاتها وتعلن كينونتها الحقيقية والفاعلة. فالكتابة وضمن هذا التوجه/ الواقع/ فعل كشف وتعرية. الكتابة كشف للذات وبحث عنها في الوقت نفسه.

مقالات ذات علاقة

بمناسبة مرور عام على انطلاق النشاط الثقافي لأصدقاء دار الفقيه حسن

ناصر سالم المقرحي

تجمع تاناروت للابداع يتوج بالموسيقى والعروض عامه الأول

المشرف العام

«الليبية للآداب» تحتفي باليوم العالمي للمسرح بطرابلس

عبدالسلام الفقهي

تعليق واحد

خليفة محمد 5 ديسمبر, 2012 at 12:21

الشاعرة المجاهدة عناية بنت سالم بن عبدالنبي الزنتانى , من الشاعرات المجيدات حيث كانت تلهب بشعرها الحماسي , حمية ونخوة وشجاعة المجاهدين من قبيلة الزنتان , على التقدم لجبهات القتال وذلك لمقاتلة الغزاة الطليان من اجل الدفاع الدين والوطن والعرض . وللشاعرة عناية قصيدة طويلة رائعة قالتها عندما سمعت أشاعة مغرضة بأن والدها قام بمهادنة الطليان والرضوخ اليهم مقايل معاش ( مرتب ) وغيرها من الامتيازات الاخرى , فقالت :

ان كان بوى طلين للمعاش وجابا ………..نظهر عقاب الطبل للندابا .

الله يرحم الشاعرة والمجاهدة عناية بنت سالم بن عبدالنبي ويتقبلها برحمته الواسعة ويدخلها فسيح جناته .

رد

اترك رداً على خليفة محمد