حوارات

حوار مع الشاعر الليبي عمر الكدي

رصد اجاباته :عبد الحفيظ العدل

– وعندما وجدت نفسي حرا في المنفى اتجهت إلى القصة لأنها تقول كل شيء، وحتى في قصائدي التي كتبتها في ليبيا كان هناك حالة سردية في معظمها

 – استفدت كثيرا من تجربتي مع الفنان الساطور، لعلمي أن السخرية هي وجه آخر للحكمة

 – نصيحتي أن تتوقف حالة السجال بين الأجيال بهذه الطريقة السخيفة، فليبيا بها جيل واحد من علي مصطفى المصراتي والتليسي حتى أصغر كاتب اليوم

 – نحن في حاجة في هذا الوقت ليس إلى فرسان وإنما إلى قديسين يتنازلون عن ذواتهم من أجل البلاد

الكاتب الليبي .. عمر الكدي

مبدع يمتاح نصوصه من عطر الأرض التي اسمها ليبيا ..ومن نبض أهلها الذين تشرئب اعناقهم دائما نحو أفق ابهى واجمل وهم مجبولون ببداوة ..تميزهم وندل عليهم ..وغن كانوا يحثون الخطى من اجل تجاوزها .

عمر الكدي شاعر وقاض لايمكنه الا ان يحرك الراكد والنمطي في مشهدنا الثقافي..حتى عندما اجبر قسرا وكرها على مغادرة “البلاد التيتحبها فتزدريك”كما يقول هو في احد نصوصه..والتي تحبه واحبته رغم المنفى وهي هاي تحتضنه بحب الان كما يقول اصدقاؤه ومتلقي نصوصه.

تنوعت اجناس الكتابة لديه من الشعر الى المقالة الادبية الى القصة القصيرة وأخيرا الرواية ..ولكنك في كل هذه الاجناس لاتخطئه ابدا ..فأسلوبه يدل عليه ..اسلوب سهل ممتنع ..إذا سمحنا لانفسنا باستعارة هذا الوصف.. والاسلوب هو الرجل ..في استعارة اخرى لابد منها..

التقيناه عبر براح شبكة المعلومات الدولية وكان هذا الحوار

1- أي فضاء قادك إلى الكتابة؟

– يولد الإنسان مزودا بمجموعة من المواهب، وتتولى الظروف الكشف عن هذه المواهب أو طمسها، وربما كنت محظوظا لأنني صادفت مجموعة من المعلمين الذين اكتشفوا موهبتي في الكتابة مبكرا، فاعتنوا بي وشجعوني على المثابرة، وأذكر أن أخي سافر إلى إيطاليا للدراسة عندما كنت في الصف الثالث الابتدائي، وعندما بعث بأول رسالة، طلب مني أبي أن أكتب له رسالة، وبعد سنة كنت أجيد كتابة الرسائل، وتحولت إلى كاتب رسائل لزملائي في مدرسة الفنون والصنائع، عندما كنا نقيم بعيدا عن عائلاتنا، وذات يوم تكتشف أن الكتابة تمكنت منك مثل مرض عضال، فتصبح هي الطريقة الوحيدة التي ترى من خلالها العالم وتستنطقه.

2- الاسد مجموعة من الخراف المهضومة قال احدهم ماهي المؤثرات التي تعتقد انها اوجدت الكدي الذي نعرفه الان؟

– تجربة اليتم كان لها دورا كبيرا في اكتشاف موهبة الكتابة، وخاصة عندما تعبر عن هذا الفقد، وأنت ترى بقية الأطفال مدللين من آباءهم وأمهاتهم، بينما والدك في قبره وأمك بعيدة عنك، كما أن حياتي المزدوجة بين الريف والمدينة في مطلع الستينات عندما كان الريف عالما مختلفا بالكامل عمق قدرتي على الملاحظة، ودفعني للبحث عن تفسير لهذا الاختلاف، بالإضافة إلى القراءة التي تبدأ كمتعة لا تضاهيها متعة أخرى، ثم تتحول إلى بحث محموم لأسئلة ظلت دائما معلقة، ومن حسن الحظ قرأت في وقت مبكر معظم الكلاسكيات العربية والمترجمة، بالإضافة إلى الأدب الحديث، وخاصة أدب أمريكا اللاتينية، أو ما يعرف بالواقعية السحرية، الذي تأثرت به كثيرا.

3- مابين الشعر والقصة والمقالة الساخرة والرواية ..أين يجد الكدي نفسه؟

– اجد نفسي في كل هذه المجالات، واعتقد أنني سارد أكثر مني شاعرا، ولكن ظروف ليبيا في الثمانينات والتسعينات دفعتني إلى كتابة الشعر والمقالة الساخرة، لأن الشعر يؤمي من بعيد، ويمكنه اختزال حالة ليبيا المقموعة، ومراوغة الرقيب، وعندما وجدت نفسي حرا في المنفى اتجهت إلى القصة لأنها تقول كل شيء، وحتى في قصائدي التي كتبتها في ليبيا كان هناك حالة سردية في معظمها، إلا أنها كانت تشير من بعيد دون الخوض في التفاصيل، وتظل المقالة الساخرة هي اصعب أنواع الكتابة، حتى وإن بدت سهلة بالنسبة للقاريء، وثمة مسافة لا تزيد عن شعرة بين المقالة الساخرة وبين التهريج، أما الرواية فهي عالم شاسع يمكنه احتمال كل شيء، إلا أن كتابة الرواية تحتاج إلى وقت وانضباط شديد لم تساعدني ظروف حياتي المتقلبة على التفرغ لها.

4- ماحكايتك مع الساطور أو ماحكاية الساطور معك؟

– الساطور هو الفنان حسن دهيمش من مدينة بنغازي لجأ إلى بريطانيا في سنوات صباه، وكنت معجبا برسومه التي يتناول فيها القذافي وأعوانه، والتي كان ينشرها على مواقع المعارضة الليبية، وذات مرة اتصلت به هاتفيا، ومنذ ذلك الوقت توطدت العلاقة بيننا، فصرت اقترح عليه بعض الأفكار، وعندما قامت الثورة عملنا معا في قناة ليبيا لكل الأحرار، وأقمنا في نفس الفندق، ومنذ ذلك الوقت أقترح عليه الأفكار وهو يقوم برسمها، ولأنه كان يكتب اسمي تحت شعار الساطور الذي عرف به أعتقد الكثير من الناس أنني الساطور.

استفدت كثيرا من تجربتي مع الفنان الساطور، لعلمي أن السخرية هي وجه آخر للحكمة، وليقيني بان الفن الساخر قادر على التقليل من ظاهرة عبادة الفرد في ليبيا، وهي الظاهرة التي دفعنا ثمنها أكثر من اثنين وأربعين عاما من القهر، عاش معظمها حسن دهيمش في المنفى، حيث صمد ولم يتنازل للنظام الذي كان على استعداد لدفع الملايين من اجل تصفيته أو احتواءه، بالإضافة إلى احترامي وتقدير لهذه الشخصية الرائعة.

5- كيف يقرا الكدي واقع الثقافة الليبية؟

– الثقافة الليبية في أزمة مثل المجتمع الذي انتجها، فهي لم تستطع مواكبة الثورة، ولم تنتج نصوصا تليق بمثل هذه الثورة، وقد يمر بعض الوقت حتى نرى تجليات هذه الثقافة، وربما سبب الأزمة أن معظم المثقفين لم يتوقعوا تفجر هذه الثورة وعندما تفجرت لم يعرفوا كيف يواكبونها، ووجدوا أنفسهم في حالة تشبه قصيدة الشاعر اليوناني الاسكندراني كفافي “في انتظار البرابرة”، وذروة القصيدة عندما لم يحضر البرابرة الذين كان سكان المدينة ينتظرونهم، ولم يعرفوا كيف يعودوا إلى سابق حياتهم قبل أن ينتظروا البرابرة بلا جدوى.

هناك العديد من الأسماء لا علاقة لها بالثقافة لا من قريب ولا من بعيد، ولكنها موجودة الآن في صدارة المشهد الثقافي، ولم تتمكن الثقافية في ليبيا من تكوين مرجعيتها، التي تحدد من الكاتب ومن الهاوي، ومن المثقف ومن الحاوي، بالإضافة إلى أن ظروف اربعين عاما من القمع لم تمكنها من النظر بيعين ناقدة إلى ميراثها، وكنا قد حاولنا ذلك من خلال مجلة الفصول الأربعة، ولكن النظام انتبه إلى ذلك واقفل المجلة.

نصيحتي أن يسارع الكتاب الليبيون في إنشاء اتحادهم، وان يصدروا مطبوعاتهم وخاصة مجلة الفصول الأربعة بالإضافة إلى مجلة لا، أو أي مجلة أخرى يختارونها، وأن تتوقف حالة السجال بين الأجيال بهذه الطريقة السخيفة، فليبيا بها جيل واحد من علي مصطفى المصراتي والتليسي حتى أصغر كاتب اليوم.

6- “دليني كيف نتفق ايتها الانثى المكايرة .. وارفقي بحبي المبصر وقدري الكفيف” سؤال جارح كحد السكين هل وجدت اجابنك عنه

– الآن تبدو ليبيا على حقيقتها وهي بدون الطاغية، الذي لم يهبط علينا من السماء، وإنما هو ظاهرة ليبية بامتياز، جاء من طينها ونبت بين صخورها، هذه هي الحقيقة وليس القول بأن الشعب الليبي غير محظوظ ليحكمه القذافي، في هذه المرحلة العصيبة من تاريخنا تنكشف عيوب الشخصية الليبية ومزاياها النادرة، وعلينا أن نتعلم من أخطاءنا بدلا من البحث عن مشاجب أخرى لنعلق عليها اخفاقاتنا، ولكنني متفائل بالمستقبل، فالديمقراطية والدولة المدينة مثل الإنسان، تولد طفلا يحتاج إلى الكثير من الرعاية، ويمر بانتكاسات قبل أن يشتد عوده ويتعلم المشي ويعتمد على نفسه.

7- “ليبيا فرس جامح لا يمتطيها الا من يركب الريح بلا سرج ولا لجام”..في ظل التجاذبات السياسية الحالية اين يمكن ان نلتقي بفارس الريح هذا.

– انتهى زمن الفرسان فالفارس المنقذ هو مقدمة إلى دكتاتور، واتمنى أن ينظر الناس بواقعية للمصلحة العامة، وأن يتعلموا التوافق والتنازل مقابل التنازل، ففي ظل الدولة الديمقراطية لا أحد يستطيع الحصول على كافة مطالبه، وإنما يترك للآخرين حقهم في مطالبهم، وحتى الآن اشعر بخيبة أمل في النخبة السياسية التي تفضل تحقيق مصالحها الضيقة على المصلحة العليا للبلاد.

نحن في حاجة في هذا الوقت ليس إلى فرسان وإنما إلى قديسين يتنازلون عن ذواتهم من أجل البلاد، وهو ما لم يتحقق بعد من خلال سلوك كثير من أعضاء المؤتمر الوطني العام، وسلفه المجلس الانتقالي، ولكنني لا أعمم فبعض الشخصيات اثبتت أنها أمينة لتاريخها النضالي.

8- ليبيا مكللة بالبداوة ..هل تلك خطئية تلاحقنا وان كانت كذلك كيف تكون صلاتنا لمحوها؟

– كل الشعوب مرت بالبداوة وهي ليست وصمة عار. أنظر إلى شعوب اسكندنافيا هل تصدق أن اجدادهم الفيكنغ كانوا من أكثر الشعوب بداوة ووحشية؟

اليوم عمليا لا يوجد بدوي واحد في ليبيا، ولكن هناك ثقافة بدوية وهي سبب عدم قدرتنا حتى الآن على بناء دولة. الآن أدركت لماذا ركز الفيلسوف الألماني هيجل على الدولة، واعتبرها أهم اختراع اكتشفه البشر، ويبدو أن البداوة المزمنة للمجتمع الليبي هي التي جعلت ظاهرة الطاغية مقيمة في هذه البلاد إلى الأبد، فعندما يختل الأمن وتتقاتل القبائل المسلحة، يتحول الأمن إلى أهم مطلب في المجتمع حتى ولو حققه الطاغية، ألم تكن حركة طالبان هي المنقذ للشعب الأفغاني من أمراء الحرب وقطاع الطرق.

إلا أنني في الحالة الليبية أعتقد أننا سنمر من عنق الزجاجة في وقت أقل مما توقعنا، ولكن إنهاء ظاهرة البداوة في ليبيا يحتاج إلى تراكم حقيقي والعديد من الأجيال، وعمل دؤوب ليل نهار وتخطيط طويل الأجل، وعندها يمكنك شراء قطعة أرض في الجبل الأخضر، أو بيتا في الزنتان وهو غير متاح حتى الآن.

9- مالذي تود ان تقوله الان لماريش

– أقول لها ما قلته لها في قصيدتي “العودة إلى ماريش”

أعود إليك يا ماريش

يداي خاليتان وقلبي تغضن

مضى أجمل العمر في انتظار الأماني

وبقى ما يصلح للصبر مهدا وقبرا

وليس لي إلا أن أوقد حطب أيامي

لعلي أميز في لهيبه خيطي الأبيض من خيطي الأسود

مقالات ذات علاقة

التشكيلي الليبي القذافي الفاخري

المشرف العام

الكاتبة الصحافية إنتصار بوراوى.. كل كاتبة ليبية لديها نسقها الخاص الذي يمنحها خصوصيتها المميزة.

حنان كابو

التشكيلية شفاء سالم : أبحث عن جنة مفقودة كانت في ليبيا

مهند سليمان

اترك تعليق