خديجة زعبية
أصحو دائما قبل الجميع، وبهدوء أوقظ “عمران” بصوت هامس حتى لا يسمعني البقية، نتابع خطواتنا بصمت نخشى أن يكسره صوت ارتطام أحدنا بقنينة الماء الفارغة التي وضعتها أمي قرب المدخل في انتظار دورنا للتعبئة، نتشارك مع الجيران في حنفية واحدة، وتتكاثر المشاكل دائما فيمن له الحق أولا للتعبئة عندما تتكاسل المياه عبر الأنبوب و تنزل بوهن كبير.
يصدر باب المنزل صريراً مزعجاً دائماً عند فتحه، لذلك أقترح عمران أن نتسلق شجرة المشمش ومنها نقفز للشارع ثم نكمل رحلتنا.
مازال الوقت مبكراً وأمي لم تستيقظ بعد، وأنا و”عمران” نتمشى في الشارع في طريقنا لحقل قريب، يصغرني بسنتين وهذا ما يجعله يثق بي، ولأن أحدا لا يمكنه فهم إشارات يديه سواي، نشأت بيننا ألفة من نوع آخر، هو يراني الاخ الأكبر والأقوى، وأنا أشفق عليه من مضايقات أبناء الحي.
يتمسك بذراعي دائما عندما نريد اجتياز الطريق المزدوج، ويختبئ خلفي إذا ظهر في طريقنا “أنس” محاولا افتكاك حبات التفاح أو قطع الحلوى منا، وعندها أتقدم وانظر في عينيه مباشرة ونتبادل الشتائم والكلام البذيء، قد تتطور المشاجرة إلى عراك لا ينتهي إلا بخروج العم “سالم” من دكانه وطردنا من المكان.
“عمران” يثق بي جدا، ولا أعلم إلى متى يمكنني التواجد معه وان اعاقته هي سبب ضعفه، وعندما اناقش الأمر مع أمي تخبرني بأن الله يقف دائما مع الضعفاء، وأن سبب اعاقته هذه ستكون ميزة له في يوم ما.
لا أعلم ما تقصده أمي بهذا الكلام، فربما عقلي الصغير لن يستوعب حديثها، وأنا كذلك مازلت أنتظر هذا اليوم وأتمنى أن أرى قوة “عمران” كما صاحبت ضعفه.