يشرع موقع بلد الطيوب في نشر رواية (الحرز) للقاص والروائي “إبراهيم عبدالجليل الإمام“، على أجزاء بشكل أسبوعي!! قراءة ممتعة للجميع…
21
اغتسل الرجال من آثار الحريق في عين غسوف.. بعدها اقاموا صلاة المغرب جماعات متفرقة لضيق المكان.. تركوا المساجد ومرافقها للنساء.. فهذا حدث استثنائي تخلت فيه الواحة طواعية عن طقس قديم. كان وحده الغائب عن الجمع.. ظل الى جوار كومة الطين التي كانت الى صلاة العصر تشكل بيته.. سأل كبير التجار عنه فقيل له عن مكانه.. غادر الجمع في ساحة العين..
كان جالسا ساهما.. رأسه بين يديه.. توقف نحيبه لكن دموعه لا زالت تسح.. وقف أمامه كبير التجار.. مسح على رأسه.. رفع رأسه ليتبين هوية هذا المشفق.. قال له:
– هيا توقف عن البكاء.. اتبعني. سار كبير التجار.. لحق به بعد أن انعطف به الشارع.. وجده واقفا أمام باب بيت.. أخرج مفتاحا من جيبه.. فتح به الباب.. دفعه.. دخل الى سقيفة البيت.. أشار للأعرج الذي وصل لتوه بالدخول:
– هذا بيتك الآن.. اسكنه إلى أن تعيد بناء بيتك. – لكن يا سيدي ا….
قاطعه كبير التجار قائلا:
– لا أريدك منك جزاءا ولا شكور .
دخل الأعرج إلى السقيفة.. تفقد المكان من حوله..
– أكلت النار بيتك.. عليك أن تشكر الله على هذه النعمة.. سنكتفي بهذه الكارثة كعقاب لك على جرمك.
– لكن يا سيدي …
– النار انقذت عرشنا من عار كنا سنحمله لسنوات طويلة لا نعلم مداها.. – لكن يا سيدي انا لم ….
– سأتركك الآن.. اذهب إلى نبع غسوف.. اغتسل ريثما أرسل لك من يرتب أمر هذا البيت.. غدا ستخبرني عن سبب زيارتك لكهل الأدغال.
– لكن يا…
– قلت غدا.
غادره.. أغلق الباب.. حلت العتمة بالسقيفة.. جلس على المصطبة الصغيرة الوحيدة.. شعر بشيء من الراحة.
– غدا لكل حادث حديث.
بعد الفراغ من صلاة العشاء شرع المصلون تباعا بمغادرة مسجد العشيرة.. تأخر شيخ الكتاب هذه الليلة على غير العادة.. انتظر فراغ الإمام من تسابيحه ونوافله.. قال بعد أن لاحظه:
– لأمر ما بقيت طيلة هذا الوقت.. ليس هذا من عادتك.
– نعم.. في صدري حديث لن أنام ليلتي اذا لم أبح به لاحدهم.
– لما اخترتني دون سائر عباد الله.. تريد إفساد ليلتي إذا هيء هيء هيء.
– بل اريد رايك فيما حدث اليوم؟
– لولا لطف الله ثم تعاضد أهل العرش ومن خلفهم أهل الواحة لحلة كارثة بالعرش وربما بالعرش المجاور.
– صدقت يا شيخ.. ما سبب الحريق يا ترى؟ – لا أدري.. ربما نست زوجته موقدها.
– لكنه طردها بعد أن ضربها.. تقول زوجتي إنها متأكدة أنها لم توقد نارا في البيت.
– هل تعني انها اشتعلت بفعل فاعل؟
– لا أشك في ذلك.. لكن من يكون ولماذا فعلها؟
– عليك أن تحصر شكوك في النساء يا شيخ..
– لا أعتقد ان الفاعل امرأة. فلا يجهل احد خطورة النار وصعوبة التحكم فيها.
– إذا من الفاعل؟.. هل تعني أن الاعرج من أضرم النار في بيته؟
– الأعرج أجبن من ذلك وأبخل من أن يفعله.. كما أنه كان أمامنا في مجلس العرش قبل وقت من اندلاع النار.
– ما الذي تفكر فيه؟
– هل لاحظت أن النار لم تصب إلا بيت الأعرج..
– هذا بفضل تضافر الجهو…….
– دعك من ذلك.. النار انطفئت كما اشتعلت.
اضاف بعد برهة صمت:
– بسبب مجهول.
– ماذا تعني؟.. افصح.
– النار انطفئت فور أذان المغرب.. لم تكن تأبه لكل ذلك الماء الذي صب فوقها.
– هل افهم من كلامك ان…..
– لأمة الخفاء يد في هذه الكارثة.
استعاذا في سرهما بالله من شرور تلك الامة.. خيم الصمت من جديد.. قطعه إمام المسجد بعد مرور وقت طويل أعاد فيه تدبر كل ما قاله شيخ الكتاب:
– هل تقصد ان للغريب الكهل يد في الحريق. – ما أعتقده هو أن ذلك الكهل ينتمي لتلك الملة الخفية.