رشاد علوه
في خطوات وجلة، يخطو للأمام مترددا متوجسا أن يكون الخارج أكثر وأقسى برودة من الداخل، ولكن ما أن لامس وجهه هواء الخارج الذي أعطته الشمس شيئاً من دفئها حتى ازداد يقينه أن الخارج أسخن.
مشى عدت خطوات، وجد نفسه أمام المنزل جلسا على (الركابة)، وضع العكاز جانبا، ضم قدميه إلى أعلى متربعا داعبت يده أصبع قدمه الإبهام، سحب الجورب قليلا ليدخل أصبعه من ثقب الجورب. أدخل يده في جيب الفرملة، أخرج منها كيساً من الجلد، مسك شريطاً على جانبيه انفتح الكيس أخد قليلا من المضغة وضعها بفمه، أدخل يده مرة أخرى باحثا عن قطعة النطرون، قبض عليها، أخرجها أخد منها قضمة أضافها للتبغ وخزنه بجانب فمه، أعاد الكيس إلى جيبه.
ترك لنظره العنان ليسرح، ولكن الشمس التي كانت تسقط مباشرة على عينيه جعلته يفتحهما نصف فتحة ويضع يده على جبهته لكي يتمكن من حجب أشعتها، فتح عينيه وتملى في النخلات التي أمامه، تذكرها عندما كانت في نصف هذه المسافة، كان يأتي مع والده المسن ويتسلق النخلة برشاقة يشد إلى وسطه حبل وسلة بدخلها منجل، ما إن يصل إلى أعلى حتى يقوم بحش العراجين وشدها بالحبل ليرسلها لوالده في الأسفل، يلتقطها ويقوم بفك العرجون ويسحب الحبل.
هكذا إلى أن ينتهي.. ينزل ويجمع ما تناثر هنا وهناك، يحمل ما جمعه ويضعه في الأكياس إلى أن تأتي العربة ويحملونه إلى المنزل الذي يجلس أمامه الان.
السلام عليكم أهلاً جدي.
عاد من شروده على صوت حفيده، أمسك بيده ساعده على النزول من الركابة اتكاء على كتفه، وضع الحفيد العكاز في يد جده وهو يهم بالتوجه إلى بيت ابنه لتناول الغداء. لم يفته أن يخبر حفيده:
ترى هذه النخلة؟ هي لجدك، وتلك أيضا!!
هز الحفيد رأسه بمعنى نعم، وخطى بخطأ بطيئة مع جده نحو المنزل للغداء.