الجذور السومرية لنشأة اللغة العربية واللغات الأفروآسيوية([1]) لعبد المنعم المحجوب([2])
عبدالسلام شرماط – المغرب
“مارس الكتابة بجهد، ولسوف تكشف لك الأسرار”
أثر سومري
“لقد وهبتني الآلهة كل علم الكتابة
حذقت آيات الأرض والسّماء
أتقنت فن الكتابة السومرية الأكدية الصعبة جدا
ولكنني أحببت أن اقرأ الأحجار والأنصاب
المكتوبة من أزمنة ما قبل الطوفان”
أشور بانيبال
صدر عن دار تانيت عام 2008 في طبعته الأولى، كتاب “ما قبل اللغة؛ الجذور السومرية للغة العربية واللغات الأفروآسيوية” لصاحبه عبد المنعم المحجوب؛ كتاب أثار جدلا كبيرًا في الوسط اللغوي العربي، إذ استبعد بعض اللغويين طرح الكاتب وما شمله من فرضيات، وهم يؤكدون أن اللغة الأم، هي اللغة العربية. وأن نصدر أحكاماً على عمل ما دون قراءته، معناه أننا نمارس لعبة الذّوق بمقياس السّماع بعيداً عن كل موضوعية ودقة منهجية، وهما شرطان أساسيان من شروط الدرس النقدي واللغوي، والخروج عن هذه الدائرة يؤدّي أحياناً إلى حكم نقدي قد يشوّه الحقيقة العلمية في فرضيتها أو طرحها أو نتيجتها. لهذا تقتضي الضرورة المنهجية تناول كتاب (ما قبل اللغة… الجذور السومرية للغة العربية واللغات الأفروآسيوية) بالدرس والقراءة قبل إصدار أيّ حكم ينبني على القبول أو الرفض.
إن المسلّمة التي أنطلق منها، بل أومن بها، وأنا أتمعن في نظرية عبد المنعم المحجوب اللغوية، هي أن اللغة نسق قابل للتغيير، وأن تغيره يقع في الكلام، والكلام حسب ف. سوسير هو نشاط فردي في ظلّ جماعة يتواصل معها، وإذا ما انطلقنا من هذه المسلّمة، فهذا يوحي بانتشار اللغة وتحوّلها عبر الفعل الإنساني من خلال رموز ونقوش وأشكال هندسية تترجم إلى معاني تعبر عن سياقها في الحياة.
وأعتقد أن فرضية الانتشار اللغوي التي انطلق منها عبد المنعم المحجوب، والتي ترتكز على أن اللغة السّومرية بنية تحتية تتوطن اللغة العربية، هي فرضية ستقود – ربما – إلى إعادة النظر في قواعد الدرس اللغوي وما وصلنا من تراثه، ولربما سيثير جدلاً لسانياً بسبب ما تنطوي عليه النظرية المحجوبية من طرح لغوي قد ينتج علماً جديداً أو يطوّر علماً قديماً، أو بعبارته: إن بحثا على هذا النحو، سوف يصعد الجدل اللساني لينتج علماً جديداً أو يطور علماً قديماً، تتغير فيه اليقينيات، وتتبدل فيه القراءات، ومن الترجيحات التي تحضرني الآن أن يتغير اتجاه هجرة اللغات الهندو أوروبية، لينقسم إلى اتجاهين؛ يبدأ الأول باتجاه السنسكريتية شرقاً، متزامناً مع اتجاه ثان إلى الغرب، بدءا بالسّومرية.
وكما تنبأ الكاتب، انطلق الجدل اللّساني في عدد من الورقات نشرت بجريدة القدس العربي وفي أعداد مختلفة، وتوزعت الورقات في تناولها للطرح اللغوي الجديد بين الترحيب والرفض والاستفهام.
(ما قبل اللغة) كتاب ضمّ بين دفتيه سبعة فصول، مسبوقة بتعاريف وتقديم، ثم خلاصات واستشراف، شملت التعاريف الحرف والحركة والمد والسكون والضميمة والنقحرة والصورفة، اعتمدها الباحث قصد إبراز دور الصوت في التغيّر اللغوي، وهو تغير أصاب سلسلة من الألسن الأفروآسيوية؛ فالسّومرية هي مقاطع توطنت في الأكدية والمصرية واللغة العربية، وذلك عبر التدرج والتحوّل.
أما الفصول السبعة، فعرضها الكاتب وفق الآتي:
تحدث في الفصل الأول من الكتاب عن العصر شبه التاريخي الذي حصره في أدوار، ولكل دور خصائص يتميز بها عن غيره (دور سامراء، دور حلف، دور العبيد، دور الوركاء)، ولعل غوص باحثنا في حقب تاريخية موغلة في القدم، إنما كان يهدف إلى البحث عن جذور اللغة الأولى التي كانت في بداية تكونها رسوماً ونقوشاً تمثلت في مثلثات ومربعات ونجوم وأشكال هندسية أخرى، كانت تحاكي فعل الإنسان وحركاته، نشاطاته وعبادته؛ فقد تناول بالدرس تحولات العصر شبه تاريخي وأثرها على العلامة اللغوية الأولى، وخلص في نهاية الفصل إلى القول: “إن زمن ظهور الكتابة المسمارية (أواخر الألف الرابع ق.م) ومكانها (معابد الأوروك)، مقارنة تقنياتها بالأختام (الرواسم)، معطيات تجعلنا نحدد أنها كانت نتيجة مباشرة لالتقاء عاملين “تقنيين”:
*- نشأة الرّسم الاختزالي المتمثل في الخطوط المتوازية والمتقاطعة والأشرطة والأشكال الهندسية كالمثلثات والمربعات والدوائر والنجوم، في دور العبيد، إلى جانب الرسم “الطبيعي” المتمثل في الرسوم والنقوش والزخارف، وتمثيل سطوح الكتل بخطوط منحنية ودائرية، تحاكي أشكال البشر والحيوانات والمستعملات والموجودات الطبيعية”.[3]
وعلى ضوء نشأة هذه الرسوم والأشكال، ظهرت بعض العلامات المقطعية مثل (ءَ ن)، an، والتي ستتطور في ما بعد إلى أسلوب اختزالي.
*- ميز ظهور الأسلوب الاختزالي دور الوركاء في الفخارة والعمارة، بالإضافة إلى الأشكال الهندسية الأخرى التي نقشت على جدران المعابد. ما سيقوي من علاقة العبادة باللغة، والتي ستستمر لآلاف السنين، “ولسوف تنتج أسطورة المنشأ المقدس للغة، وسحرية الحروف وعلامات تمثيل الكلام التي ستترك أثرها على جميع الشعوب الناطقة باللغات الأفرو آسيوية”.[4]
ويعدّ هذا الطرح القديم في مادته، الجديد في منهجه، مؤشّراً ينبئ بما أغفله علماء اللغة والحضارات القديمة، محاولاً ربط أصول اللغات المذكورة بجذور اللغة السّومرية التي شهدت انتشاراً ومن ثم تحوّلاً، سافرت فيه مفرداتها أصواتاً ومقاطع لتتوطن في معاجم لغات أخرى. وأبان الباحث أن الفعل التاريخي له دوره لا محالة في هذا الانتشار.
وتضمن الفصل الثاني من الكتاب (السومريون) تناولاً تفصيلياً لأسماء سومر، إذ قدمه لنا الباحث بعلامات مسمارية هي: (كِ.ءِنْ.كِ ki.en.gi)، وبين المقاطع الجذرية التي يتكون منها هذا الاسم، والمعاني والدلالات التي أخذها، ليخلص إلى أنه يعني: (بلاد السّادة الأصلاء). يقول الكاتب: “يعود اكتشاف اسم سومر”sumer”… (الأكدية sumerum) إلى العام 1869، عندما استخدمها المستشرق ج. أبرت J.oppert للتمييز بين الساميين الأكديين، وغير الساميين (السومريين) الذين يشير إليهما معا لقب “ملك سومر وأكد”، وهو لقب يتردد كثيرا في الألواح السماوية…”.[5]
وفي جانب آخر، من الفصل وهو يبحث في أصول اسم سومر، وقف الكاتب عند علاقة الاسم العبري سام وسومر، وهي فرضية قدم لها كريمر عام 1963، يقول الكاتب: “وقد حاول كريمر أن يعيد إلى الأذهان العلاقة بين الاسم العبري سام (شام)، واسم شومر التي بحثها عالم السومريات د. بويل في بحث له نشر عام 1941، بحجة جديدة، وهي أن السومريين كانوا يسقطون الحرف الصحيح من آخر الكلمة ما لم يكن متبوعًا بحرف علة (sum e+r)”، مضيفا “إذا ما صحت فرضية بويل بأن كلمة sem هي sumer ذاتها، فعلينا أن نفترض أن المصنفين العبرانيين للتوراة، أو في الأقل بعضا منهم، عدّ السومريين الأجداد الأصليين للعبرانيين”.[6] لكن الكاتب لم يتوقف عند هذا الطرح، بل خلص إلى نتيجة مفادها أن السومريين هم نتاج خليط من الأجناس الذين استقروا في بلاد العراق، منذ أن أصبح هذا الإقليم صالحا للاستيطان، وهم يحملون معهم اللغة في شكلها الجنيني، كما أن تطور الكتابة لا يتحقق إلا في ظل شروط حضارية أولها الاستقرار وتطور أنماط الإنتاج.
وفي جانب آخر، وقف الكاتب عند اللغتين السومرية والأكادية، متسائلا: هل السومرية والأكادية لغتان مختلفتان؟ أم إن السومرية لغة أسلاف تحذرت منها اللغة الأكادية كلهجة ناشئة في البداية، ثم تطورت عبر سلسلة متشعبة كانت آخر حلقاتها اللغة العربية ولهجاتها المتنوعة؟
إن عملاً قائماً على تفكيك مقاطع سومرية، إنما هو عمل كان يمهّد به الباحث لتأكيد فرضية الجسرنة القائمة بين المقاطع السومرية، وما تلاها من اللغات ومنها اللغة العربية، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، كلمة (كنانك (ka.na.ang، وتُقرأُ حسب الباحث بحذف الصامت الأخير (كنآن)، وتشي لديه باسم (كنعان)، ليجسّر الهوة بين السومريين والكنعانيين والعرب.[7] وأكد في نهاية هذا الفصل، أن الكثير من الكلمات تبث أنها مفردات عربية قديمة هجر استعمالها، وهذا دليل واضح على أن المقاطع السومرية مفردة كانت أو مثناة توطنت في الجذور العربية.
وربما كان لهجرة الأصوات ونحتها عبر التاريخ والتحول أثر في النطق والكلام، والسبب يرتبط عادة باحتكاك الجنس البشري بعضه ببعض. لقد أدى التمازج البشري إلى نتاج لغة سومرية شهدت مقاطعها عبر الانتشار هجرة إلى لغات أخرى، صنفها الباحث في الفصل الثالث من الكتاب الموسوم بالسومرية واللغات الأفرآسيوية، إلى ضمائم مثل الضميمة العربية(الجزرية) والضميمة المصرية، والضميمة الليبية الأمازيغية (التارغية، الشاوية، القبائلية..)، والضميمة الحبشية، والتي تكاد تلتقي من حيث المعجم والصوت، وتدل على وحدة داخلية واضحة، موضحاً أن ثمة حراكاً لغوياً – اجتماعياً بين الفضاءين الجغرافيين الآسيوي والإفريقي، أسهم على مدى فترات من التاريخ في انتشار وتحول لغويين من خلال الهجرة والتمازج البشري. واستند في تعليل صدق فرضيته على آراء بعض الدارسين مثل جورج رو، الذي وضع حلاًّ مفاده أن السومريين كانوا نتاج تمازج عدد من الأجناس التي توطّنت المنطقة على مراحل مختلفة، على الرغم من أن الباحث لا يوافقه على تحليله اللّغوي لاسم سومر، كما مرّ أعلاه.
ومن ثمة توجّه الباحث للحديث عن مراحل تطور الكتابة المسمارية، مبيناً بعض خصائص اللغة السومرية من خلال عرضه لحقل معجمي سومري ينهض على مقاطع مكتوبة بعلامات سومرية وما تعنيه في اللغة العربية، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على تجوّل باحثنا بشكل موسع بين دفات المعاجم العربية باحثاً عما يلتقي دلالياً وصوتياً مع مقاطع سومرية، هذه اللغة التي كلفته سنوات طوال من التعلم والدّرس والسّؤال.
ويكاد يكون الفصل الرابع من الكتاب، والذي اختار له صاحبه عنوانا مثيرا: إعادة قراءة اللغة السومرية، وهو غاية في الأهمية من الدّرس، وذلك لما ينطوي عليه من جهود تظهر في إعادة قراءة اللغة السومرية عبر مستويات صواتية، مبرزاً مظاهر التحول في بنية المفردة السومرية بغرض إعادة ترتيب هذه المفردة من حيث الصوامت والصوائت، وتوجيه نظرية هالران، وبالتالي يقدم نسقاً لغوياً سومرياً يعكس بشكل أو بآخر تشكيلة الحياة السومرية التي عرضها تاريخيا فيما تقدم.
إن الدراسة الصوتية التي عمل الباحث على إعادة تنسيقها، فسحت أمامه المجال لإيجاد الروابط الصوتية الموجودة بين السّومرية واللغة العربية، وتوصل إلى النتيجة التي بنى عليها فرضيته، وهي أن اللغة السومرية طبقة تحتية تتبطن في دواخل اللغة العربية، وعندما نقول إن اللغة السومرية كامنة كطبقة تحتية في العربية؛ فذلك يعني أن العربي إذا تلفظ بكلمة، فإنه يقول كلمتين وثلاث وربما أربع من السومرية، دون أن يتبين الجذور المقطعية السومرية التي توطنت في جذور المفردات العربية، وتلاشت في الاشتقاق. واستدل الباحث على قوله هذا بأمثلة منها كلمة “كتب”، إذ تتكون سومرياً من ثلاثة مقاطع هي:
ك ka = فم، كلام.
ت ta = بواسطة.
ب ba =، وهي أداة خشبية لكشط ألواح الطين والرقن والنقش عليه، ومن ثم فعل كتب يعني الكلام بالقلم، إلا أن السّومريين عرفوا كلمة (كَتَبْ) بمعنى: العيي أو العاجز عن الكلام، ومثلها كلمة (كَلَم) التي يقول إنها مكونة من مقطعين هما:
كَ ka = فم، كلام.
لَمْ lam = كثرة، استرسال.
بينما خصّص السومريون كلمة (كَلَمْ) للدلالة على الأرض إجمالاً، وهي العربية (كُلام)، وإن خصصت لنوع واحد من الأرض. يقول الكاتب: “فما نعرفه من اللّغة السومرية هو ما حفظته لنا الألواح المسمارية، ولكن هذا لا يمثل كل اللغة، بل لا يمثل حتى جزءا يسيرا منها، فإذا كانت الكتابة هي بعض اللغة مرئيا، فإن اللغة ليست كذلك، فأغلبها غير مرئي، ولا يمكن تمثيله إلا بأسلوب جد مركب، وهو ما كانت السومرية تفتقد تدوينه، بل إن أنظمة الكتابة مهما بلغت من تعقيد، لا يمكن لها أن تعبر عما وراء اللغة…”.[8] ولتعزيز طرحه، عرض الكاتب جدولا في الصفحة 147 من الكتاب، تضمن أشكالا مختلفة لقراءة العلامات السّومرية كما نقلت باللاتينية ومبدلاتها العربية، وهو يقدم ظاهرة إبدالات المفردات في العربية، ومنها: (ع-ن – أعطى-أنطى)، وهو ما يعرف باستنطاء هذيل وبكر وقيس…، كذلك شنشنة اليمن، مثل (ك-ش – لبيك-لبيش)، وكذلك عنعنة قيس وتميم (أسلم – عسلم).
وهذا ينم عن التعدد اللغوي في العربية وتنوعه، فتعدد المقاطع التي تتكون منها الكلمة العربية الواحدة هو في باطن لغتنا تعدد للمعاني التي تأخذها كلمة عربية واحدة؛ فقد اكتست اللغة العربية زيّها بالزيادة على الأصل السومري التي توضع فيها كطبقة داخلية في نسيجها متداخلة معه، وملاحظة التنوع الفونيمي واختلافه بين اللغتين لا يلغي اتصال هذه المسألة؛ فالعربية بتدقيق سيبويه تفوق الأربعين حرفا، استقر منها ما ائتلف في اللسان العربي تخففا عبر الزمان، فشكل مادة صوتها.[9]
ويعدّ الفصل الخامس (نحو معجم اشتقاقي سومري عربي) قاموساً معجمياً، وضعه الباحث نتاجاً لفرضياته التي انطلق منها باعتماده على الدرس التاريخي والدرس الصوتي، بوصفهما مجالين يبينان مظاهر التحول والانتشار من السومرية نحو العربية، وهو فصل يحتوي على عديد الكلمات التي تفتح المجال أمام القارئ لإجراء المقارنة بين ما أثله الكاتب في معجمه، جعل منه قاموسا غنيا جسرن فيه بين المقطع السّومري والمفردة العربية.
وركز في الفصل السادس المعنون بـ “نون البداية أداة نفي سومرية في اللغة العربية”؛ على ظاهرة النفي في اللغة السومرية، والممثلة في صوت النون، أو ما أسماه بنون البداية، وهي ظاهرة تقودنا إلى سؤال مفاده، لماذا تناول الباحث (nu) تحديدا كظاهرة نفي تتفرد بها السومرية؟ أم إنه يسعى إلى التأكيد أن النفي مستمدّ من السّومرية؟
يجيب الكاتب في بداية الفصل: “تعني أداة النفي السومرية nu (نُ)، لا، لم، ليس، وفيها أيضا معنى الضدية، وهي تستعمل مع الأفعال دون تحديد لأزمنتها، ومع الأسماء والصفات على السواء، وتتحوّل أحيانا إلى la (لَ)، وقد استقرت في العربية بنفس الصوت والدلالة، وإلى (لِ) في أحيان أخرى، لكن هذا التحول كما يشير فوزي رشيد، انتشر خلال العصر السومري الحديث وما بعده. إن nu من جهة اسميتها تعني أيضا: شبيه، شبه، هيئة، حالة”.[10] وحثت ظاهرة النفي الكاتب إلى المزيد من النبش والبحث في التحولات التي شهدتها nu، ولا سيما في العربية، فتوصل إلى أن النفي في العربية كان يتم باستخدام (ن) تماما كما كان الأمر عليه في السومرية.[11]
أما الفصل السابع من الكتاب، والذي صاغه الكاتب في شكل مقاربات بين سومر ومصر، وهي مقاربات أولية في اللغة والمعتقدات، هي مقاربة تجمع بين السومرية والمصرية والأكدية والعربية، لإعادة تأويل بعض أسماء الآلهة المعبودة في مصر القديمة، واختيار اللغات الأربع ليس عفويا أو اعتباطيا، “لأننا بذلك نجمع شمال الجزيرة ووسطها وجنوبها، بشرق إفريقيا وشمالها، متحدثين عن فضاء أفروآسيوي، هو حقل اشتغال وتفاعل اللغات الأفروآسيوية…”[12]
إن الفرضيات التي انطلق منها الباحث، هي فرضيات جديدة في طرحها، وتستحق التقدير للباحث بفضل ما امتلكه من جرأة سمحت له باختراق الدرس اللغوي العربي بأصوله وقواعده أملاً في التجديد أو التطوير، واعتمد في طرحه على قراءة التاريخ، والنظام الصوتي، بهدف التأسيس لمعجم سومري عربي، وإن كان هذا التأسيس لا يخلو من تخمينات فردية، يمكن أن نسميها اجتهادات تفرد بها الكاتب، ولا نرى في هذا إثماً ما دام يمتلك من قواعد اللغتين ما يمتلك.
لقد خلص الكاتب في نهاية بحثه إلى عدة نتائج نذكر منا ما يلي:
– ضرورة استحداث أسلوب جديد لإعادة قراءة المقاطع السومرية.
– أثبتت المقارنات اللغوية، أن ثمة تقاربا، إن لم نقل تطابقا، نشأ بين السومرية واللغات الأفروآسيوية على المستويين الصورفي والمعجمي.
– اللغة السومرية طبقة سفلى كامنة في اللغة العربية.
وبين هذا وذاك، فإن باب الطّرح ما يزال مفتوحاً أمام قراءات متعددة من أهل التخصص، واستمرار الجدل يدلّ على الصدمة المعرفيّة التي أنجزتها أطروحة الجذور المقطعية السومرية، حتى ليصح وصفها بأنها تقلب المعطيات العلمية المتداولة رأساً على عقب؛ فالسّومرية كما يعرف الجميع لغة لا صلة تربطها بأيّة من اللغات المجاورة لها، معجمياً وصرفياً، ولكن دفاع المحجوب الرئيس هو أننا حتى الآن، لا نفكّر من الناحية المنهجية سوى في مستوى من البحث الفيلولوجي نريد للغات أن تتناسخ فيه، بينما نهمل الآليات المتشعبة للانتشار والتحوّل اللغويين وما يحدثانه من إزاحة دلاليّة، ولعلّ أكثر فرضياته إثارة للجدل تلك التي يقول فيها، إن اللغة العربية كانت في مرحلة من مراحل تطورها لغة مقطعية، كالسّومرية تماماً، إلا أن العرب لم يعرفوها إلا في شكلها الاشتقاقي الذي أثبتته المعاجم العربية.
هوامش:
[1]- عبد المنعم المحجوب، ما قبل اللغة الجذور السومرية لنشأة اللغة العربية واللغات الأفرآسيوية، تانيت، الطبعة الأولى، 2008
[2]- عبد المنعم المحجوب، باحث ولغوي ليبي، بدأ النشر مع مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وتنوّعت كتاباته بين الفلسفة والتاريخ واللغة والنقد الأدبي والترجمة، وله مجموعات شعرية منها ديوان: عزيف.
[3]- المرجع نفسه، ص 49
[4]- المرجع نفسه، ص 50
[5]- المرجع نفسه، ص 57
[6]- المرجع نفسه، ص 63
[7]- حوار أجراه الكاتب في صحيفة أويا/ 17 ديسمبر 2008
[8]- المرجع نفسه، ص 124
[9]- المرجع نفسه، ص 150
[10]- المرجع نفسه، ص 217
[11]- المرجع نفسه، ص 217
[12]- المرجع نفسه، ص 251