سرد

رواية الحـرز (19)

يشرع موقع بلد الطيوب في نشر رواية (الحرز) للقاص والروائي “إبراهيم عبدالجليل الإمام“، على أجزاء بشكل أسبوعي!! قراءة ممتعة للجميع…

سكان مدينة غدامس (الصورة: عن الشبكة)

19

انتشر كذلك خبر استدعاء الأعرج من قبل أعيان عرشه.. مر وقت طويل جدا عندما عقد مثل هذا المجلس لآخر مرة.. عادة ما تسفر هذه الجلسة عن عقوبة شديدة للشخص الماثل أمامها..

شرعت الألسن هذه المرة في تخمين عما سيسفر عنه هذا المجلس.. بعضهم يقول أنه مجرد فضول لمعرفة سبب ذهابه للكهل الغامض.. بعض الخبثاء قالوا أن سبب الاستدعاء محاولة لمعرفة سبب حضور الكهل الغامض للواحة.. بعضهن لُمن زوجته على افشائها لأسرار زوجها.
اما خبر طرده لزوجته فلم يحدث أي اصداء.. حدث ذلك بعدما اخبره رفيقه باستدعاء الأعيان له.. كما لم يتحدث احد عن صراخها الذي ملأ اسطح العرش بعد أن ضربها ضربا مبرحا.. على الرغم من أن هذا الحدث أجدر بالانتشار لعدم حدوثه في واحة يعشق أهلها التكتم.

زارتها الشقيقة قبل أذان العصر لتنقل لها ما استجد من أنباء الواحة.. كانت مشغولة بإرضاع الرضيع:

 – يقولون أن الأعيان استدعوا الأعرج لمجلسهم.لم تعلق بشيء.. اضافت الشقيق:

  • تقول تلك العجوز أنه وقع في شرك نصبه لنفسه.. هيء هيء.. قالت تلك العجوز ايضا انه يستحق الطرد من الواحة منذ زمن بعيد..
  • منذ زمن بعيد؟
  • ألم تسمعي عن سبب عرجه؟.. لا حديث للواحة الا عن ذلك.. يقال….

قاطعتها في حدة:

  •  لا يعنيني من امره شيء.
  •  ألا تخشين عن يفصح عن كل ما يعرفه؟

بدا عليها الاهتمام.. توقفت عن إرضاع الرضيع.. تركته ليلهو.. اضافت الشقيقة:

  • اخبرتني زوجة صديقه أن الأعرج توصل لسر خطير.. سر قد يكون له وقع كبير ليس على العرش فحسب بل على الواحة كلها.
  • سر خطير؟ ..
  • هذا ما تقوله هي.. لا اعتقد انها تبالغ كعادتها… ألا تخشين أن يكون الكهل الغامض أخبره بأمرك؟.
  • كلا.. أنا على يقين بأنه لم يلتق بالكهل الغامض بعد مغادرتي له لخيمته.. ربما يشيع ذلك ليجد لصديقه مبررا.
  • ما الذي يجعلك واثقة كل هذه الثقة؟
  • قبل ان ادخل من البوابة التفت خلفي بعد ان سمعت فحيحا مخيفا.. ظننت اأنه ذلك الثعبان الأسود.
  • ماذا كان ذلك الفحيح اذا؟
  • لا أدري!.. لكني اكتشفت اختفاء خيمة الكهل الغامض.

حل بينهما صمت ثقيل.. كسرته الشقيقة بعد وقت ليس بالقصير قائلة:

  • اذا هناك أمر آخر اكتشفه الأعرج.. فهل له علاقة برضيعك المختفي يا ترى؟
  • لا ادري.
  • ماذا ستفعلين الان؟
  • لا ادري الأمر معقد

 فجأة اكتشفت غياب الرضيع.. كان قد بلغ آخر درجة من الدرجات المفضية للسطح.. همت بأن تعيده.. أوقفتها الشقيقة قائلة:

  • دعيه.. لا تخشي عليه.. ألم يخبرك الكهل أن أهله يتفقدونه بين فينة وأخرى.
  • لا تنسي انه أخبرني أيضا ان علي الحرص عليه جيدا.

 صعدت لتعود لتفقد الرضيع.. كان يجلس امام مطبخها.. لم يكن وحده.. كان الثعبان الأسود يلتف على جسمه.. ورأسه الضخم بجوار رأسه.. كانت تفح في أذنه و كان يبتسم في مرح.. ما أن تفطنا لوجودها حتى انسل مغادرا.. لم تعد إلى المطبخ هذه المرة كما توقعت.. بل صعدت إلى الشرفة العلوية حيث مجالس النسوة وممراتهن.. تبعتها بعد برهة.. رأته ينسال في الممر المخصص للسير.. لم يكن هناك أحد لحسن الحظ.. تبعته حتى نزل الى بيت لا يبعد كثيرا عن بيتها.. كان ذلك بيت الأعرج.

وصل الأعرج حينها إلى مجلس أعيان العرش لاهثا.. وقف أمام شيخ العرش الذي جلس بين شيخ الكتاب وكبير التجار.. توزع باقي الأعيان على المصاطب.. تجاهله شيخ العرش كما تجاهل الرد على تحيته.. وحده شيخ الكتاب رد تحيته باقتضاب.. رماه شيخ العرش بنظرات قاسية جعلته ينكس رأسه.. تدخل شيخ الكتّاب ليفتتح الجلسة قائلا:

  • يمكنك الجلوس.

أضاف بعد أن شعر باستهجان الأعيان:

  • حالتك تشفع لك بالجلوس.

شكره بهمهمة لم يفهمها أحد.. اختار مكانا لا يواجه فيه شيخ العرش بشكل مباشرة.. قال شيخ العرش بصوته الذي حمل جام غضبه:

  • لا يخفى عليك أن لا حديث للواحة إلا فعلتك النكراء.

ران صمت رهيب.. شعر بأزواج العيون تخترقه كسهام قاتلة..

  • فعلتك هذه جعلتنا محل سخرية باقي العروش.. لهذا أنت هنا وعلينا أن نتخذ ما يلزم لرفع الإهانة عن كل العرش.

عاد الصمت ليخيم على المجلس.. قطعه شيخ الكتاب مستهجنا:

  • مرورك بأزقة العرش في ذلك الوقت يعد خرقا لتقاليد الواحة.

اضاف احدهم لم يتبينه من موقعه ذلك ولم يجرؤ على التوجه بنظره نحوه:

  • إنه الوقت المحرم على البالغين وهذا لا يخفى عليك… بل هذا ما يعلمه اصغر طفل في العرش .

شعر بشيء من الراحة.. لم يكن يعلم أن هذا سبب استدعاؤهم له..ما شجعه للنطق لأول مرة:

  • تأخرت في بستاني.. لم أتفطن لمرور الوقت.

 رد الشيخ غاضبا:

  • كان عليك البقاء هناك وعدم اختراق التقليد.

أجاب في تردد:

  • انها صلاة الجمعة يا سيدي.. أتريدني أن اتغيب عن صلاة الجمعة؟.. اخشى أن هذا أولى بغضبك.

تبادل الحضور همهمات الاستهجان.. قاطعهم شيخ الكتاب:

  • ماذا لو تصادف مرورك بإحدى النساء؟

تدخل احدهم:

  • ستكون تلك سابقة لم نسمع بها من قبل..

برر الأعرج قائلا:

  • حاولت الإسراع لكن عرجي أعاقني بعض الشيء كما أن الشمس كانت شديدة ما جعلني …

قاطعه كبير التجار لأول مرة:

  • ما يجب أن تُسأل عنه هو سبب زيارتك للكهل الغامض الذي رفض أعيان الواحة اجتيازه للأسوار.

أجاب في ثقة :

  • لم أسمع أن الأعيان جرموا من يلتقيه .- لم يجرموا لقاءه.. لكن عليك تبرير اختفاؤه الغريب والمريب بعد لقاؤه بك.. ما الذي دار بينكما.. أي صفقة شيطانية عقدتها معه.

تهامس الحضور.. تدخل الشيخ:

  • لاشك أن التعامل مع هذا الغريب منكر وحرام ولا يحل امثالهم بمكان الا حل الخراب والدمار وها قد لمسنا آثاره البارحة بصراخ زوجتك فوق اسطح البيوت.
  • لم تعد زوجتي لقد طلق…
  • لكنها كانت كذلك قبل لقاءك المريب.

قرر اخيرا ان يرمي بآخر سهامه: – لكني لم أكن آخر من قابل الغريب. سرت همهمة مجددا بين الحضور.

أضاف:

  • لقد اختفى بعد ان…..

توقف عن الحديث.. لم يقاطعه أحد من أعيان المجلس بل صراخ فوق الأسطح.. صراخ يعني أن حريقا شب في بيت من بيوت العرش.

مقالات ذات علاقة

مقتل البيضاء

شكري الميدي أجي

مقطع من رواية “فرسان السعال”

وفاء البوعيسي

مقتطف من رواية: الجنود*

جمعة الموفق

اترك تعليق