سرد

رواية الحـرز (10)

يشرع موقع بلد الطيوب في نشر رواية (الحرز) للقاص والروائي “إبراهيم عبدالجليل الإمام“، على أجزاء بشكل أسبوعي!! قراءة ممتعة للجميع…

مدينة غدامس
مدينة غدامس (الصورة: عن الشبكة)

10

يرى كل من دخل الواحة من الغرباء غرابة بنائها.. يقف منبهرا.. ينعقد لسانه.. هكذا تروي الجدات.. يتبعن ذلك بضحكة ملئها الفخر..
لم تكن بهذا الشكل في بداية عهدها.. يقال أن دخول الاسلام جعلهم يغيرون من شكل الواحة.. تعاليم الاسلام تبدو واضحة في شكلها العام هذا ما يقوله المشائخ دائما.. يستدلون على ذلك بتقسيم الواحة إلى عالمين مختلفين.. متلاصقين.. متجاورين في البناء.. منفصلان.. متباعدان في الواقع.. عالم خاص بذكور الواحة.. يجدون فيه كل ما يلزمهم من أسواق وساحات ومساجد.. أما العالم الآخر فمحرم عليهم.. يقع أعلى الواحة.. لكل من العالمين خصوصيته.. ما يحرم على النسوة في عالم الرجال يجدنه مباحاً ميسراً في عالمهن.. يقول شقيقها الذي غادر في رحلة تجارية ولم يعد منذ سنوات طويلة إن الآخرين لا يجدون بناء الواحة فريدا فحسب.. بل معقداً ومربكاً ومخيفاً.. لكنهم يرونه عظيماً.. قال لها إن أحدهم أسر له أنه يحسدنا على هذا البناء المتلاصق والذي يشد بعضه بعضا.

للوصول إلى الكهل الغامض خارج الواحة لابد من النزول الى عالم الرجال.. هذا ما جعلها تفكر في وسيلة ووقت مناسبين.. الأمر في غاية الخطورة والتعقيد.

 فكرت أن تشرك شقيقتها في سرها.. قلبت الأمر على كل وجوهه.. كانت توازن بين الأمرين.. هي بحاجة ماسة وملحة لمن يساعدها ويساندها ولو بالمشورة.. رجحت كفة كشف السر للشقيقة على الكفة الأخرى.. لكنها أرجئت ذلك لما بعد الوصول للكهل الغامض.
في ذلك المساء حدث ما جعلها تسارع بكشف السر لها.

حدث ذلك في المساء.. حملت الرضيع معها إلى بيت الشقيقة.. لا لتسر لها بأمر رضيعها الضائع.. بل لتعينها على إخراج الثعبان الأسود المحبوس في تنورها.. لم تعد تأمن أن تتركه وحده.. حملته نائما.. لم تجد الشقيقة في مجلس النسوة المعتاد.. جلست إلى النسوة حتى لا تثير ريبتهن.. سالتها إحداهن :

  • لم لا تعملين مثلنا؟.. مذ سافر زوجك مع القافلة لم أرك تعملين!

أضافت أخرى:

  • تجلسين معناً قليلا بجسدك ولكن عقلك يذهب بعيدا هناك هيء هيء.. هل هو الحنين للزوج الغائب؟

أثار سؤالها موجة من الضحك… عادت الأخرى لتقول:

  • أين مرحك ومزاحك وخفة روحك؟.. كلنا غادر مع القوافل زوج أو أخ أو ولد.. اعتدنا ذلك.

حاولت مسايرتهن لبعض الوقت قبل أن تغادر.. لم تجد ت الشقيقة في بيتها كذلك.. عادت أدراجها إلى بيتها.. نزلت إلى السطح.. رأت لاحظت باب المطبخ مواربا.. استغربت ذلك.. كانت على يقين انها احكمت إغلاقه.. سارت بحذر نحوه بعد ان وضعت الرضيع في ركن قصي.. هالتها صرخة فزع من مطبخها.. كانت تلك الصرخة صادرة من الشقيقة.. هرعت نحو مطبخها.. وجدت اختها هناك تصرخ فزعا.. متصلبة امام تنورها الذي حبست فيه الثعبان.. كان مفتوحا.. اسرعت لتبعد الشقيقة.. اخرجتها الى السطح.. رشت وجهها ببعض الماء.. توقفت أخيرا عن الصراخ.. كانت تنظر للمطبخ بعينين فزعتين.. ابعدتها عنه.. هدئت من روعها.. اخيرا استعادت انفاسها.. شرعت تروي سبب صراخها.

  •  خرجت من بيتي.. كنت انوي الذهاب الى مجلس نسوة العرش.. سالتني احداهن عنك وعن سبب انقطاعك عن مجالستهن..
  • حاولت تبرير ذلك للشقيق فقالت:
  •  إنه الرضيع.. لا استطيع اصطحابه ولا تركه وحيدا.. خاصة انه ينام مساءا ويسهر ليلا.. أرهقني ذلك هذا كل شيء.
  •  تعلمين أنه حين يكثر السؤال عن شخص في مجلس النسوة يعني ان شكوكا تحوم حوله؟
  •  شكوك؟
  •  نعم.. تتحدث النسوة عن غريبة زارت لاتيما العجوز.
  • ما الغريب في ذلك؟
  •  تقول انها تعمدت اخفاء شخصها عنها.. كما أن ما زاد من شكوكها ما سالتها عنها.. ولا حديث عن النسوة إلا عن هذه الغريبة.. لهذا جئتك.
  • -ماذا تعنين؟
  •  – أردت تنبيهك فغيابك المتكرر عن مجلس النسوة قد يفسر بأكثر من وجه.
  • – حدثيني عن سبب صراخك؟

 – توقعت أن اجدك في بيتك.. نزلت إلى السطح.. سمعت حركة في المطبخ.. ظننتك تعجنين خبزا او تشعلين نارا.. استغربت في باديء الأمر اغلاقك للباب.. ليس هذا من عاداتنا.. دفعت الباب ودخلت إلى المطبخ لم أجدك.. كان مصدر الحركة في تنورك.. ظننت أنك حبست قطا فيه.. فأزحت الغطاء لتندلع منه نار كادت تصيب وجهي فصرخت من هول المفاجأة.

 هنا تذكرت الرضيع.. لم يكن في الركن الذي وضعته فيه.. اسرعت الى المطبخ.. وجدته يقف هناك أمام التنور والثعبان الاسود يطل برأسها نحوه.. اسرعت نحو الرضيع لتبعده.. كرر غمغمته السابقة:

  • ول كسظ.

كانت الشقيقة تسد عليها باب المطبخ.. قالت:

  • مالذي يجري بحق القران؟

مقالات ذات علاقة

رواية: اليوم العالمي للكباب – 2

حسن أبوقباعة المجبري

رواية الحـرز (12)

أبو إسحاق الغدامسي

مـجــدداً

مفتاح العلواني

اترك تعليق