يشرع موقع بلد الطيوب في نشر رواية (الحرز) للقاص والروائي “إبراهيم عبدالجليل الإمام“، على أجزاء بشكل أسبوعي!! قراءة ممتعة للجميع…


3
فكرت في خنقه..
القضاء على رضيع امة الخفاء هو الحل الوحيد والامثل لمشكلتها.. ربما لو ابقته اكثر لافتضح امرها.. لكنها كانت تخشى أمرا آخر لا طاقة لها به.. انتقام امة الخفاء منها لهذه الجريمة النكراء لن يكون بإعادة رضيعها لها.. ربما لن تره ثانية.. هذا طبعا اذا نجت هي من انتقام امة لا تتهاون في اخذ ثأرها.
استبعدت الفكرة.. لم يكن لها حل سوى الانتظار.
ضربات طبل مزعج اخرجتها مما كانت تفكر فيه..
- إنه امبراح([1])!
أسرعت إلى السقيفة لتتبين عما ينادي… عادت بعد قليل نحو التمانحت.. كان المنادي ينبه التجار عن موعد انطلاق قافلة صغيرة في الغد نحو غات.
كان زوجها في طريقه إلى البيت حين صادف امبراح في طريقه يصيح بنادئه… أوقفه:
- هل يمكنني الانضمام لهذه الرحلة؟
استغرب المنادي طلبه فأجابه:
- لست مخولا يا سيدي… يمكنك التفاهم مع شيخ القافلة.. لن يمانع بانضمام تاجر مثلك.
- سأذهب إليه حالاً.
عاد إدراجه نحو السوق المكتظ بالسلع التي حملتها القوافل من نواحي الصحراء الأربعة… أبعد عن طريقه أحد الدلالين ليعرض عليه سلعته.. وقف أمام كبير تاجر العرش:
- أرغب في الذهاب إلى غات رفقة قافلتك.
نظر إليه مستغربا طلبه في هذا الوقت.. قال:
- يسرني انضمامك لها… لكني اتسائل فقط عما إذا كنت مستعدا لهذه الرحلة؟
- هل تعني المال؟
- ليس المال فقط ما يمكنك من السفر مع القوافل.. انت تاجر وتعرف هذه الطقوس.. هل هناك ما يضطرك للذهاب إلى هناك؟
تنهد… مر وقت ليس بالقصير وهما يتبادلان النظرات.. قال:
- بي رغبة ملحة للذهاب إلى هناك.. حتى لو رفضت مرافقتي لقافلتك.
- حسنا… لا بأس.. ربما هي صفقة لا ترغب أن تفشي أسرارها.. هيء هيء هيء.
- لا أسرار يا كبير التجار… لا أسرار… سأخبرك ذات يوم.
غابت الشمس.. حلت العتمة بالواحة.. لبست عباءة الليل السوداء.. استيقظ الرضيع الغريب.. فتح عينيه.. عينين ينفثان بريقا لم تعهده في عيون الآدمين من قبل.. هذا ما أكد لها أن الرضيع ليس لها.. بحث بهما عن شيء ما.. استقرتا عند عينيها.. ابتسم لها.. الغريب أنها لم تكن خائفة منه.
شيء ما جعلها تسرع لتحمله إلى صدرها.. ألقمته ثديها.. رضع منه بشراهة جائع.. اعادته إلى مرقده في الكوبت.. صعدت إلى السطح لتنهي إعداد وجبة العشاء.. مر وقت انشغلت فيه عنه.. سمعت حفيف شيء يزحف في سطح البيت.. خرجت من المطبخ لتبينه.. اكتشف انه الرضيع.. يزحف نحو المطبخ.
بعد أن تناول عشاؤه أخبرها بما قر عليه قراره:
- ستغادر قافلة بعد يومين إلى غات..
ليس هذا بالخبر الجديد عليها.. كل الواحة تتحدث عن القوافل القادمة والمغادرة.. إنه الحديث المعتاد في مجلسهن..
- سأذهب إلى غات.
كادت تبدي فرحتها بهذا الخبر.. مغادرته ستمنحها وقتاً كافياً لتدبر أمرها.. قالت:
- الاعداد لمرافقة القوافل يحتاج لبعض الوقت.
- لن احتاج لشيء من ذلك.
- هل تحصلت على سلعة ما؟
- كلا…
يبدو انه يخفي أمرا ما… لن تلح كثيرا.. اعتادت كتمانه كعادة رجال الواحة… لا أحد يتحدث عن صفقاته لزوجته.. تقول أمها إنهم يخشون الحسد.. ربما هم على حق في ذلك.
- هل ستتغيب كثيرا.
- ربما ثلاثة أشهر.
انها مدة كافية لتدبر امرها..
ها هي الأقدار تنقذها مرة أخرى.. يومين ليسا بالوقت الطويل..
بعدها ستبحث عن حل لمشكلتها مع أمة الخفاء.
تأخر زوجها في سهرته تلك الليلة.. عاد منهكا فخر
صريع النوم.. لم يلحظ ما يريب من أمر الرضيع.. حمدت الله في سرها.
[1] – امبراح هو المنادي او المعلن.