يذكر الكِتاب أنه يجب أن تكون الغرفة مظلمة وأن ثلاث شمعات يجب أن توضع في منتصف الطاولة الدائرية، كما علينا ترك فناجين قهوة مقلوبة مع ورق أبيض، لا أعرف كيف تجرأت على فعل ذلك لكن الرغبة في أن اتحدث مع أخي هي التي جعلتني أقوم بهذا الفعل.
الظلام حالك وأنا لا أرى سوى الشموع، الفنجان، الورق الأبيض، قلم الحبر ويدي مع الظلال، كان صوت خفقات قلبي يشبه الطبل الأفريقي، شعرت وأنا أردد الطلاسم التي ذكرها الكتاب وعند قولي كلمة روح بأن هناك أناسا تنغم بأصوات فمية تشبه أصوات الحيوانات، بل أن المكان تحول إلى دغل، ولا شيء ظلّ منطقيا في هذه الغرفة العلوية القابعة في السطح، فتارة أسمع نهيم فيلة وخنخنة قردة وتارة يعوي ذئب في حلقي، خشيت حتى من نفسي وأغمضت عيني فترة من الوقت.
حين فقدت أخي شعرت بحزن شديد رغم العلاقة المعقدة التي تجمعني به، كنت أشبهه بقطة أمي التي تدللها أكثر مني، فهل الحب هو سبب حزني أم الفقد؟، وهل الفقد هو فقد أخ أم فقد ملكية كانت تخصني؟، في كثير من الأوقات اسمع ضحكة تعلو فتعلو حتى تهز كامل جسدي فأنا الشاب المدلل الآن، أصبح بإمكاني أن احتل قلب أمي بكامله، وأطلب منها ما أشاء عازفا على جراحها برغباتي الوحشية، فها هو قد غادرنا الشخص الذي كان يقاسمني كل طلباتي بل كان يعطيني الفتات.
في الظلام لم أعرف من يلتف حولي؟، ومن أين اسمع الأصوات؟، وفي أي بقعة أنا؟، شعرت بلفحة برد، أحسست وكأنني سنجاب سيبيري التففت حول نفسي وأطفأت عداداتي آخذا قسطا من التمعن، لكن الخوف لم يتركني وزحف نحوي مثل ثعلب ماكر.
فتحت عينيّ ونظرت حولي، كل شيء في مكانه ولكنني انتفضت فجأة حين انتبهت إلى بعض الخربشات على الورقة البيضاء، كانت كلمة روح مكتوبة بخط مرتعش، لم استطع الحراك وحاولت اقناع نفسي بأنني من كتبها في لحظة لاوعي، ولكنني شعرت بهواء دافئ وكأن نفس أحدهم يلفح رقبتي، صفعت رقبتي بكلتي يديّ ثم مسحت على كامل جسدي، وأنا أردد: يا الله يا الله.
لم أخبر أحدا عن العلاقة المعقدة التي تربطني بأخي فبعض المشاعر تجعلك عاريا أمام الآخرين، ولا أعرف من حدد التفاصيل التي تجعلك تقر بالحب علانية ولا تستطيع أن تقر بالكره؟، من منح للحب قدسيته وترك الكره مثل كلب أجرب؟، ألا تتساوى المشاعر، ألا يحق للكره أن يقول ها أنا؟، إنني أشفق عليه لأنه يشبهني تماما‘ فها هم يدللون الحب ويقيمون له الأعياد بينما يتأففون من الكره كما يتأففون من فضلاتهم، أنا أقر أنني كنت أكره أخي، فهو الذي سرق مني عطف أمي، بسبب مرضه كما تقول ولكنها لم تدرك أنني كنت مريضا بالغيرة وبالعوز العاطفي.
لازلت مرتبكا وغير قادر على الحراك، أحاول أن أبث في داخلي الطمأنينة غير أنني فاقد للسيطرة على نفسي، الهواجس لا تفارقني، لا بل هي الحقائق، أنا هنا وسط الجنون والعفاريت، لقد حضروا حينما سمعوا ندائي، لا أحد سينقذني الآن، من بإمكانه انقاذك إذا لم تترك لك أثرا عنده؟، أنا كائن شفاف لا يمكن لأحد الانتباه إلى وجودي، فكيف حضروا الآن، نعم كيف حضروا .. يا الله يا الله.
يا معشر الجن أناشدكم بالعهد الذي أخذه عليكم سليمان بن داوود أن لا تبدوا لنا ولا تؤذونا
ما هو شكل الأذى؟، ماذا لو امتلأت الغرفة بهم، وهل تحضرت الأرواح أم أن محاولتي فاشلة؟، من بجانبي الآن؟، ولماذا أنا خائف منهم؟، كيف لي أن أحكم على أفعالهم دون أن يظهروا؟.
صرخت بأعلى صوتي، وأنا أتلقى ضربة تلو الأخرى، لم أجد أي رحمة، صفعات تلتها ركلات، وبعد أن هدأ غضب أمي احتضنتني وبكت، كنت أحاول أن أقول لها بأنني اشتهيت قطعة الحلوى لكن صراخ أخي لم يفسح لها مجالا لتصرف آخر غير ضربي، ظلت تذكرني بأنني أبكيته في الصباح حين حطمت سيارته والآن أسلب منه قطعة الحلوى خاصته، صرخت بصوت عال:
لم أقصد تحطيمها
لقد وقعت دون قصد مني.
انتفضت فجأة وأنا انظر إلى الكرسي الذي وقع بجانبي، من حرك الكرسي؟، علاّ صوت قلبي الطبل، إنها الإشارة ولحظة البدء، يجب أن اعترف أن هناك كائنات بقربي، كلمة روح على الورقة البيضاء ثم سقوط الكرسي، فما هي ردة الفعل التي سأتصرفها؟، كيف نحدد أفعالنا ونتحكم بها؟، أخذت نفسا عميقا وأنا انظر يميني وشمالي ولم يكن هناك أي حركة غريبة، هل أنا وحدي؟
هل
أنا
وحدي
؟
؟
؟
كم أشعر بالخيبة !!!!!!
تعالي أيتها الأرواح أنا بحاجة إليك
تعال يا أخي
لقد اعتدت وجودك
ربما
سأقول
لك
أنني
أحبك.