قصة

أمُّــونــا

هذه القصة مستوحاة من قصة تاليد للكاتبة عائشة إبراهيم

من أعمال التشكيلي الليبي عبدالقادر بدر.
من أعمال التشكيلي الليبي عبدالقادر بدر.

 الحويتة والعين والخميسة

على أحد شواطئ لبدة الكبرى، وبالتحديد في قرية صغيرة ببلدة سيلين، نسبة إلى الأميرة الرومانية سيلينا، كانت أيام فايا تمضي ما بين بيتها وبين معبد الإله جوبيتير القائم على شاطئ البحر تتلو الصلوات والابتهالات و تقدم العطايا طلبا بأن ترزق طفلا. هذا الطفل الذي مضت عشر سنوات وهي تتمناه وتنتظره. ونذرت للإله جوبيتير إن هو أنعم عليها بطفل، ستقدم أي شيء يطلبه.

في يوم لطالما انتظرته، حصل ما تتمناه وحملت بطفل، و في يوم كان أسعد وضعت طفلا جميلا معافا

قدمت يومها فايا وزوجها نصف ما يملكانه، خمسة خراف وعنزة وأربع دجاجات عطايا لمعبد جوبيتير كشكر، وطلبَا من جوبيتير أن يبارك في النصف الآخر لحياة طفلهما السعيدة.

عندما بلغ طفل فايا عامه الأول، سارت به فرحة مزهوة إلى معبد الإله جوبيتير للإيفاء بنذرها.. وكانت علامة قبول الأعطيات والنذور انطفاء نار المرجل، وفي حال لم يرض جوبيتير تبقى النار مشتعلة ولا يطفئوها شيء، لا ماء ولا تراب إلا رضى جوبيتير. وإذا ما طلب جوبيتير أن تكون النذور والقرابين لحما، يرمى القربان في نار المرجل سواء كانت ماشية أم طيرا أم بشرا.

قدمت فايا بعد أن صلَّت صلاة شكر ما تملك من حلي للمعبد، ولكن النار لم تنطفئ. قدم زوجها باقي الأغنام والدجاجات باستثناء عنزة حلوب أبقياها لتدر اللبن للصغير، لكن النار لم تنطفئ. قدم زوجها آخر ما يملك قطعة الأرض التي يزرع فيها محاصيله، لكن النار بقيت مشتعلة ولم تنطفئ.

استبد القلق بفايا وزوجها، وبَدَئَا الابتهال لجوبيتير ليدلهما على ما يرضيه كإيفاء للنذر.

لم يمر وقت طويل وهما يبتهلان حتى لمع برق أضاء فوق رأس الصغير مباشرة.. تحرك الرعب في قلب فايا وزوجها وزادت حدة ابتهالهما لجوبيتير لكي يدلهما بإشارة أكثر وضوحا، إن كان ما فهماه من لمع البرق صحيحا. لمع البرق مجددا، ومجددا أضاء فوق رأس الصغير مباشرة.

سقطت فايا من هول ما حدث وبدأت ترتعد جميع أوصالها. أخبرهما الكاهن أن جوبيتير يريد الصغير إيفاء للنذر. علا نحيب فايا وهي تسأل جوبيتير أن يأخذها هي بدلا من طفلها، لكن البرق لمع مجددا وأضاء فوق رأس الصغير مباشرة.

لمعت في رأسها فكرة أخذ طفلها والهرب بعيدا و زوجها، لكنها خشيت لعنة جوبيتير و موت الصغير، فما كان منها إلا البكاء أكثر

حاولت النهوض من على الأرض لكنها لم تستطع رفع نفسها، يداها على الأرض ودموعها تتساقط عليهما، ويسيل الدمع حارا نازلا بين الأصابع إلى الرمال حولهما وتحتهما. تقدمت النسوة إلى فايا ليواسينها وانخرطن معها في البكاء.

امتلأ موضع يدها على الرمل بالدمع وفاض منها نتيجة الدموع الكثيرة التي كانت تنهمر. وتشكلت بحيرة صغيرة، ماؤها الدموع وفي قاعها عشرات الأيادي مطبوعة، أيادي النسوة اللائي كن يضعنها على الرمل وهن يتهيأن للجلوس بجانب فايا.

تحرك ماء البحر على الشاطئ و خرجت منه أميرة الحوريات أمُّونا أرملة الإله نبتون إله البحار، و شقيق الإله جوبيتير على شكل سمكة كاملة بها جميع ألوان الكون التي وُجِدت، و قفزت داخل بحيرة الدموع أمام فايا، و تحولت إلى شكلها البشري بجمالها الذي يَسُرُّ الألباب و مسحت وجنتي فايا و عينيها من الدموع وهي تبتسم لها، ومن ثم عادت إلى شكل السمكة و قفزت في مرجل النار، فانطفأت نيرانه بعد أن أحرقها.

ساد حزنٌ المكان على موت أميرة الحوريات أمُّونا، ومن ثم علت زغاريد النسوة تبجيلا لتضحيتها رأفة بخوف أم على ولدها. 

ومن يومها أصبحت السمكة، والعين، العيون التي ذرفت الدمع، واليد التي تجمع بها الدمع، الرمز لحماية الأحباب، وبالأخص الأطفال منهم    .

مقالات ذات علاقة

فيما تحمل الأرحام

اشترك في رسمها شخصان

بلاد الكوميكون

عزة المقهور

اترك تعليق