قصة

الضحية

لم يكن “المبروك” يقيم أي وزن للعادات والتقاليد، ولم يكن أيضا يبالي بكلام الناس، لذا كانت عربدته سيرة تلوكها الألسن بالمنطقة، بيد أن زواجه من “صبرية” كان تقليدياً ربما كان بسبب صغر سنه في ذلك الوقت أو لصرامة والده الحاج “ميلود”، الذي أتم الاتفاق مع أهلها دون علمه ومشورته.

من أعمال التشكيلي الليبي عمران بشنة.
من أعمال التشكيلي الليبي عمران بشنة.

أنت طالق. طالق. طالق.

بهذه الكلمات أنهى “المبروك” حياته الزوجية، طيلة سبعة عشر عامًاً قضاها بين عمله حيث كان يمتلك محلًا لبيع الألبسة النسائية، والذي استخدم فيه فتاة مغتربة تُدعى “روان”، وبين رفاق السوء ممن كان يتعاطى معهم الخمر في الجلسات الخاصة، والتي تقوم مخدومته بإدارتها والأشراف عليها، لقد كانت زوجته “صبرية” تحتمل منه المر في سبيل أن تعيش وحيدتها “هنادي” في جو أسري مستقر، ولذلك كتمت في قلبها ولم تشتك يومًا لأهلها أو إلى والد زوجها الحاج “ميلود” وربما أيضا لخوفها منه.

استفاق على صوت طرق الباب.. فسارع النظر إلى الساعة في معصمه فوجدها الثانية ظهراً وهو موعد وصول ابنته من مدرستها، فتح الباب فدلفت ابنته صائحة:

– أمي.. أمي أين أنت إني جائعة؟

ولكنه تجاهلها قائلاً:

– أمك ليست بالبيت وهيا إسرعي وابدلي ملابسك لأقللك لمنزل جدك.

انطلقت سيارة “المبروك” مزمجره محدثة صريرًا مزعجًا مما جعل جيرانه يلعنونه، لكثرة ما كان يفعل ذلك بهم، ركن السيارة بجانب منزل والده وسارعت ابنته طارقة الباب بشده واحساسها يقول لها أن هناك أمرًاً جلل قد حدث وإلا لماذا لم يجب والدها على أسئلتها المتكررة في السيارة طيلة الطريق.

فتح الحاج “ميلود” الباب متجهمًاً وقال لحفيدته ألتي يحبها بشدة:

– أدخلي يا بنتي لجدتك وتناولي غذائك.

وعندما لمح ابنه أشار له أن يتبعه إلى أحد الغرف، وما إن دخلا الغرفة حتى عاجله بصفعة قوية على خده قائلًا:

– ماذا فعلت أيها المجنون؟ ألا تدرك ما فعلت؟ أبعد كل هذه السنين تطلّق زوجتك المسكينة ألتي صبرت على أفعالك المشينة.. هل تعتقد إنني لا أعرف ماذا تفعل ايها المنحرف العديم الأخلاق ثم ألم ترحم أبنتك وهي وحيدتك؟

حاول “المبروك” الدفاع عن نفسه ولكن والده عاجله قائلاً:

– الآن أنت لست إبني واخرج من بيتي ولا أريد أن أرى وجهك مرة أخرى. واما ابنتك فأنا سأتكفل بتربيتها وتعليمها والآن أغرب عن وجهي أيها العاق.

كانت “هنادي” في رحلة ذهابها وعودتها من المدرسة إلى بيت جدها، تلاحظ نفس الشاب الذي يبتسم لها ويرسل عبارات الغزل مادحًا جمالها واخلاقها، كانت في سريرة نفسها تقر تصرفه هذا ولم يكن “سعيد” سوى شاب فاشل في دراسته ويقضي جل وقته مع رفاق السوء وصادف أن رآها فأعجبه جمالها وقرر أن يرمي بشباكه حولها كما فعل بالكثيرات لذا قام بتحريض أخته التي تدرس معها بنفس المدرسة حتى تتعرف عليها وتقيم معها صداقة قوية وأن تدعوها لزيارتها.

لم يكتفي “سعيد” بمجرد المحادثة مع “هنادي” وهو المتطلب فكان يلح عليها للحصول منها على بعض المتعة متعللاً بأنه سيتزوجها في نهاية الأمر إلا أن خوفها حال دون ذلك، لذا قرر أن يرسم خطة محكمة للنيل منها وقد زادته شهوته الحيوانية تهورًا فطلب من أخته أن تقوم باستدعائها لمنزلهم لأمر ما ولكنها ذكرته بأن العائلة لن تكون موجودة بالمنزل لارتباطهم بزيارة لبيت عمتهم إلا انه ألح في الطلب حتى وافقت أخته على مضض.

طرقت “هنادي” الباب وسارع “سعيد” إلى فتحه مبتسمًا داعيًا إياها إلى الدخول فقالت له:

– أين هم أهلك فأنا لا أسمع لهم صوتًا.

ولكنه جذبها إلى الداخل وسط دهشتها وعاجلها بلكمة أفقدتها الوعي، حين استفاقت من غيبوبتها شاعرة بصداع عنيف وألم شديد لم تعتدهما من قبل، جالت ببصرها بالغرفة حيث وجدت نفسها نائمة في سرير وبجانبها رجلًا سرعان ما تبينت فيه “سعيد” ولبرهة لم تصدق الأمر، ولكن الدماء على السرير كانت أكثر من كافية لتطلق صرخة مدوية.

استفاق “سعيد” على إثرها قائلاً في حنان زائف: لا تخاف فلن يعرف أحد بما حصل طالما أنت تلبين طلباتي من حين لأخر وفي نهاية المطاف سنتزوج فكفي عن البكاء الآن.

صاحت به قائله: من تحسب نفسك سوف تنال جزاؤك ، كيف تفعل بي ذلك وأنا التي وثقت بك؟ ولكنها غلطتي لأني وثقت بشخص مثلك.

قاطعها قائلًا بعصبية: هيا اغتسلي واذهبي لمنزلك قبل أن يفتقدك أحد من أهلك وكوني طبيعية في تصرفاتك حتى لا ينكشف أمرك ولا تنسي أنني قمت بتصويرك عارية وأنت نائمة فكوني مطيعة حتى لا تجد الصور طريقها إلى والدك وجدك.

تجرد ” المبروك ” من كل مسؤولياته أصبح يقضي جل وقته بالمحل وفي الليل وكما هي العادة يعاقر الخمر مع أصحابه وعادة ما تكون مخدومته “روان” معهم وتجلب في كل مرة أحد النساء السيئات السمعة وفي أحد المرات اتصل به صديق قائلاً: الليلة يجب أن تبكر بالسهرية فقد قالت لي “روان” أن هناك فتاة جديدة وصغيرة السن وأنا بصراحة متلهف لرؤيتها لقد سئمت من النساء كبيرات السن فقال له: اذهبوا أنتم وسألحق بكم حالما اقفل المحل.

طرق ألباب ثلاث طرقات بنغمة معينة مُتفق عليها فسارعت “روان” لفتحه مبتسمة: أدخل فهناك مفاجأة كبيرة لك وأنا أدرك ذوقك في النساء.

دلف إلى الغرفة مسرعًا حيث يجلس أصدقاؤه يعاقرون الخمر ويلعبون الميسر وعند رؤيته تهللوا ورحبوا به ولكن وبعد بضع خطوات فقط من دخوله شعر بصدمة قوية وكأن صاعقة قد أصابته وشعر بان الارض تميد به وبوهن لم يعد معه يستطيع الوقوف فانهار واقعًا على ركبتيه وهو يرى ابنته “هنادي” جالسة وهي نصف عارية وسط أصدقائه وصاح بكل ما فيه وسط دهشة الجميع: أنا السبب.. أنا السبب.

مقالات ذات علاقة

الليبرة.. ركض الحرية

محمد المسلاتي

الاختيار

المشرف العام

مجاديف

زكريا العنقودي

اترك تعليق