كانت جدَّتي ، رحمهَا الله تعالى – كُلَّمَا أَحَسَّتْ بمقدمي صفقَتْ يديها هاتفةً باسمي.. (جيت يا ربيعي.!؟)
كانت لها قدرةٌ عجيبةٌ على اشتمام رائحتي.. مهما غيَّرْتُ من عطورٍ ظلَّت تكتشفُ رائحتي.. أقولُ لها: “إنَّ هذا ليسَ عطري السَّابقَ..” فتفحمني بقولِها “إِنها تشتمُّ رائحتي الأَصلَ”، عطريَ الطبيعيَّ الذي وَلِدَ معي، وكبرَ إزاءَ أَنْفِهَا.. ترعرعَ على مرمى رشَّةٍ منها..
لقد ظلَّت تفحمُنِي حقًّا.. لأنَّها ظلَّت تشمُّني بأنفِ قلبِها المدَرَّبِ.. بأنفِ روحِها الخبيرِ..
تشعرُني أَنَّ ثمَّةَ قلبًا يرى ويشتمُّ وَيُحِسُّ.. إنها عينُ البصيرَةِ..
الأعينُ مجرَّدُ دليلٍ لاكتشافِ الموجوداتِ.. محضُ قائدٍ يدلُّنا على الأشياءِ المرئيَّةِ.. لكنَّ عينَ البصيرَةِ.. تجوسُ.. وتبصرُ وتدلُّ.. وتقودُ وتكتشفُ.. وتوحي.. وتشاركُ اتِّخاذَ الأفعالِ وردَّاتِها..
الأعينُ تنطفئُ.. لكنَّ عيونَ البصيرةِ تظَلُّ حيَّةً متوقِّدةً.. تبقى مبصرَةً أبدًا..
فَشَتَّانِ بينَ البَصَرِ والبصيرَةِ…!!