إشبيليا الجبوري – العراق
ـ صورة توريط إشكالية الوطن موقفا، والإنسان جوهرا عند الشاعر. أما فيما يتعلق بصورة التوريط بمبدأ كلية الإشكالية عند الشاعر، والذي لا يتحقق أحقيته العارفة ألا به، فأنه يشترط هو الآخر من تبيان طبيعة مفهوم الوطن موقفا من أتصال والأنسان جوهرا من انقطاع. بمعنى أخر؛ تقديم معرفة طبيعة الشاعر إزاء ما هو للجوهر من شيوعيته الأخير إلى تبني القصيدة وطنا، يتماثل ظهوره الطبيعي امام الإشكال الإبداعي الشعري، يميز موقفه الصريح، إشكالية في صورة نضاله، صراعه الأخلاقي في منفاه المديد من أنتقال الوطن/العراق إلى نقطة التمركز اللاحق، المحنة تامتماثلة مع الواقع، أقرب إلى التحدي، إرادة الإنسان في تشذيب جوهره من رعونة المفسدة، وتلبس الشر القذع ـ واقع حال العراق الأن. وما يقودنا هنا بهذه الحلقة محاولة ولو سريعة٫ معرفة صورة أنتقال توريط إشكالية الوطن موقفا إلى الإنسان جوهرا عند الشاعر العراقي الميدع سعدي يوسف، وقولنا هو:


كان ولازال هذا الإشكال قائم علي مستوى تعريف “الوطن” موقفا، أو مسألة التعرف على ماهية الهوية والإنتماء لماهية الموقف منه، نقطة توجه الشاعر سعدي يوسف أنطلقت نحو نظرته الإبداعية في الوطنية بأنتماءه لهوية العراق الكلية بوضوح؛ ـ العراق عربي ـ مسلم كلي، متنوعه خليط مزج ظهوره بـ”الوطن”، وعن تعريفه بالمكونات اللونية، متجانسة حضاريا، إذ بمناسبة هذا المكنون هو بمثابة جوهر تماثلي من حيث إظهار الإشكال الصوري والوظيفي، تضم قوى بنية أضمومة العراقي وموضوعها. تلك البلورة فيها تغطى ظهور الشاعر، بفعل مهام من خلالها اماط لثام إشكالية تورطه المنتمي، واقدام نظرة واسعة في ماهية الوحدة إليه سواء في الإنسان جوهرا، أو على طبيعة ما يتشكل أنتقاله إليها من مكنونات الأفاق والتكوين، والبروز الإبداعي الشعري في عناصر صدى القصيدة.
لكن عندما كان هذا الإشكال يعسر منه تعريف الوطن، أو أخذ طبيعة التعرف على ماهيته، فأن الشاعر جسد نظرته في قصيدته زقة موضوعها، تجلو وطنيته، بمعنى الإبداع الشعري هو مناسبتها، علاقة تنامي الظهور المعلن في ” من هو سعدي يوسف المناضل الوطني، والأممي لشيوعيته الأخير، و صدى الإنسان جوهرا نحو نظريته في الانطلاق، يراجع فيها منتميا، ماهيته، في طبيعة أنتقاله من الموقف إلى الجوهر، من العراق إلى العالم، حتى لاحت في أنتماءه أهم الأتجاهات أقوالا ومواقفا التي سيمهد السير فيها خطه الوطني، تماسه الفكري الفلسفي في مواقف شيوعيته الأخير، نضاله الوطني والقومي والاممي والأخلاقي بصورة جلية علانية، مما أفتى الجهلاء، ممن اخذ يهرج علي ترويج أفتراءات أنتماءه، مشوها طبيعته التي تغطي كامل مجال إنسانية الحياة، بجعلها نقطة التدثير والتهافت والإنهزام، إلا أن طبيعته، أي الشاعر، لم يتنازل عن صورة المناضل الشجاع، بقي مستمرا باسقا كنخلة عراقية شامخا، أمميته واضحة الظهور في ثبات إرادته القوية الصادقة.
ولم تكن هذه المهمة بالأمر البسيط، ولا بتأطيرها بالهدف السهل، وذلك راجع لحرص دقة موضوعها وتردد صدى ذلك على منهج ما أراد أن يرسخ نعريفها، صوته المميز بالإنسان ـ الشاعر الحر، وتبدو دقة تأطير مهمة طبيعة الجوهر فيه موقفا وطنيا جلية النفس في قصيدته وأقواله، سواء نظرنا إليها من نافذة الأفق الأممي الوسعة التي تضم أصنافا من الإنسانية من نفوس/جواهر تلتحف وتغطي كامل مجال الحياة في تأملات نضالاته العامة، ومجال بنية القصيدة كشاعر مبدع إليها، أو نظرنا إليها من نافذة العلاقة بين وظيفة القوى الكمالية بفعلها أممية ـ وطنية محلية بفعلها وموضوع هذا الفعل في الشاعر نفسها في التأثر والتأثير. أو من نا حية بنية العلاقة بين وظفها الأبداعية الشعرية ـ قواها ـ، أو من اخذ أفق علاقتها بصورة الشاعر بالوطن، على ضوء علاقة القصيدة بالشاعر الإنسان؛ وترجع هذه الصعوبات، في نهاية المطاف، إلى كون الإنسان جوهرا تقع بطبيعتها على حافة صوت الشاعر نفسه، مشرفة على مجال ماهيتها في إبداعية وحدة القصيدة، وتطورها دقة طبيعة قوة إرادته الجلية.
وتنعكس هذه الصعوبات على مهمة تعريفها ودراستها. فيعد أحد الاسباب في منغصات وعواص ما يتلمس في معرفة جوهر موقفه، لأنه مرتبط في أفق منهج تعريف الوطن موقفا متماثلا امام الإنسان جوهرا، ولأنه نتيجة لما سبق في سياقات التربية والثقافة والمعرفة في التركيب الهوياتي الوطني والانتماء إليه، بين ما يتلسمه في وظيفة الموضوعات، مثقفا عضويا فاعلا، بمعنى، يصعب الأختيار المنهجي بين منهجية المثقف العضوي للشاعر بمعزل عن إنسانية جوهره في البرهان الفلسفي والخيار النوعي الاستراتيجي لتقسيم الهويات، والتركيب القيمي للإبداع والتفعيل، وتشغيل مخرجات مشروعيتها في التحديث والتحديات، والذي يلجأ عادة إليه بين المنهج المثالي أو الجدلي الذي يعلق على “التعريف بالصورة الشعرية الابداعية”، والمنهج المادي في الأنتماء؛ مكنون الشاعر الإبداعي المادي في شيوعيته الأخير. فيجعل إزاحة البرهان والخيار النوعي، والمنهج الأنساني الجوهر والوطني بالجغرافية معا، ليستقر الوجهه الأمثل، ليستقر أختياره على التركيب أو عناصر المنهج التجريبي “العضوي”، الذي يلجأ ؤليه الشاعر من خلاله إلى دفق الملاحظة وإلى حسية الصورة بإنسية الأخلاقية المتعالية والإبداعية معا للتعبير عن ماهية معنى الأشياء ضمن الأنتماء الوطني الطبيعي، أي صنعة الهوية جوهرا منتظما مركبا. غير أن الشاعر سعدي يوسف لا يضيق، أو يحجم الأستفزاز عن إثارة التحديات والمشقات والمحن، تهيج الصعوبات حتى في وجه اساليب المنهج التركيبي ذاته، فيتساءل في إبداعية مكونه الشعري هل يبدأ الأختبار عنها من فعلها أو موضوعها أو من فحص موضوعها ووظائفها كقوى في مسؤلايتها، وهل ينبغي الابتداء بالتنقيب والبحث عنها عن كل قوة سياسية وطنية تنظيمية في “المعارضة” على أنفراد؟ غير أنه ينتهي إلى تبني خط الأنتقال على ماهية الوطن موقفا في الإنسان جوهرا، بمعنى، تبني اتجاه الانتقال من دراسة الموقف موضوعا قبل الفعل، والفعل هنا الوازع الوطني قبل الوظيفة أو القوة، فيتخذ بذلك التعريف الأدق حرصا على اطر ماهية الإنسان والإنتماء الحقيقي كشاعر من معرفة طبيعة الموضوعات التي تتعامل معها كموقف إنساني من الوطن.
وهكذا تكون قد توفرت العناصر الشافية والكافية لادراج دراسة الظواهر الإنسانية في شيوعيته الأخير ضمن الانتماء الوطني الطبيعي، خصوصا وكما سنعلم بعد ذلك، إن الإنسان جوهرا صورة في بنية القصيدة بالحد الإبداعي والوطن بالوجود المنتمي موقفا، وهذا بالضبط هو موضوع شيوعيته الأخير بنظرته العارف للعراق، بالإنسان العالم جوهر إنسانيته في ترابه وثقافته هوية أنتماءه المجدد في ” هوية الوطن” العراق الإسلامي العربي” التي تجمع التنوع للأجزاء ويتعامل معها كمكون وحدة الموضوع قبل الفعل، كموقف، والموقف قبل الوظيفة يشكل الإرادة المستطاع توفرها في الشاعر معرفة رسوخ طبيعة موضوعاتها قواها التي يتعامل معها.