عطشت، أثناء الدوام، قيظ ذات يوم، وكان مكان العمل أكثر رثاثة وإهمالا من أن توجد به ثلاجة للشرب، كما أنه لم يكن ممكنا الشرب من المياه العامة، لثلاثة أسباب مانعة:
1- مشكوك في سلامتها صحيا.
2- تأتي شديدة السخونة(بسبب حفظها في صهريج معدني فوق السطح).
3- أظنها لم تكن متوفرة تلك الأيام.
ترصدت زميلة(كانت علاقتي بها محاذية، من الجانب العلوي، لدرجة ذوبان الجليد) وسألتها إذا كان لديهن، هي ومجموعتها، ماء للشرب.
– حاضر.
قالت الفتاة.
غابت في المكتب الذي كن يقفلنه على أنفسهن، وبقيت منتظرا في الممر.
بعد دقائق قليلة عادت حاملة بيدها كوبا، انتبهت، على الفور، إلى أن زجاجه الأبيض الشفاف الأملس يكتنف ماء باردا، وذلك لتكاثف البخار على سطحه الأسطواني.
مدت نحوي كوب الماء البارد، مغمغمة وسط نواة ابتسامة مجاملة:
– تفضل، أستاذ عمر.
وسارعت بإيلائي ظهرها بمجرد أن اطمأنت إلى وصول الكأس إلى يدي وقبل انتهائي من كلمة”شكرا”.
استشعرت برودة الكأس وأنا أرفعه في تلهف نحو شفتي. أخذت أعب الماء الذي أخذ ينساب داخلي شهيا رويا.
**
بعد كل هذه السنوات،مازلت، وسأظل، أتذكر كوب الماء البارد ذاك، غير المسبوق، وغير الملحوق حتى الآن.
كان كوب ماء بارد توافقت فيه النسب على نحو أمثل:
جودة الماء،
درجة برودته،
درجة حرارة الطقس،
درجة حرارة جسدي،
درجة عطشي.
طرابلس(6.26-7.6)2009