قصة

بقعة..!

محمد مسعود

من أعمال التشكيلية نجلاء الشفتري
من أعمال التشكيلية نجلاء الشفتري


مطلقاً لست أتاجر بوجعي، ولم يخطر ببالي أن أتوسل تعاطفك على ناصية الطرقات كأطفال المشردين. سيدي أمتعض كيف تشاء وحتى أسخر كما تشاء، فلست أضخم وجعي، ولا يهمني حجمه بتقديرك، و لا يمكن مطلقاً أن تقدر مقدار وخزه ألم واحدة مما عانيته.
نعم بقعة الدم تلك التى لازالت ترتسم بالأرض أثارها، تلفحني بتوهج قاتم مؤلم كقتامة لونها، تجبرني أن أشيح ببصري عنها كلما مررت قربها، أرتعب.. نعم أرتعب واستحضر الموقف بكل تفاصيله، ذلك الذي قد تعتبره أنت بمقاييس السرد القصصي -الذي لا يعنيني- باهتاُ، عشته أنا بمقاييس الموت، اذا فالفارق كبير!. هذه البقعة سيدي أخسرتني مكتبي الذي كان زاخراً بعبق الخوارزميات وأشياء أخر، فما عدت أدخله مطلقاً، وتنكرت لكل محتوياته لسيادة الفراغ !. تلك البقعة كانت تذكرني ولا زالت بمشاجرة غبية مع لص أبق أفتعلها ليسلبني كرامتي ورزقي، استفزني ولمًا عمدته مستوضحاً انهال علي بوابل من الرصاص لتكون تلك البقعة. من المؤسف أن تقنية السرد القصصي لن تسعفني بوصف سخونة الرصاص وهي تخترق جسمي النحيف، تغادره بعضها، والأخر استقرت لحين.
مطلقاً لن تعي معني أن تبقى لوقت طويل والموت يتربص بك فاتحاً فاه وسط صمت رهيب، وبقعة دم يتمدد محيطها رويداً رويدا. مرٌ جداً أن يتسرب دمك في انتظار الموت وأنت مستسلماً لا حراك.
ذلك ربما –فقط- تكون قد قرأته بإحدى الروايات البوليسية، أنت المولع بقراءة القصص والروايات الخيالية.
سيدي، الذي ربما ستستغربه أني بمرات شعرت ببعض الحنين لها وقد المني تغير لونها لبني داكن يتمسك بالإسفلت لا يزال، ويأبى مفارقته، ارمقها خلسة والارتجاف يحوّطني. لكني مع هذا انزعج لمّا تدهسها عجلات مركبة مسرعة تمر، أو أقدام رجل متعجرف. أتتخيل كيف إنها صارت جزء من جرحي ؟، ذلك الذي يأبى أن يندمل، ووجعي الذي لا يفارقني، قل ما شأت، قيّم الأمر كيفما تشاء، لست اهتم لذلك مطلقاً، لكون كل ما يمكن أن تقوله لن يساوي عندي رجفة عشتها حقيقة، ولم يصغها الحبر على بياض الورق. أتعرف.. أأخبرك بأمر ؟، تلكم البقة ماكرة سيدي، ماكرة ولعينة، فما ان تلمحني حتى تتقافز كفتاة الباليه بشعرها الأشقر الطويل وبياض فستانها القصير على رؤوس أصابعها تلتف حول محيط دائرتها الذي يتمدد متسعاً بحجم الأفق.
من أين لي الأن ببقعة وفيّة، وقد شهدتُ مصرعها وهي تتقافز، تخاتل أسنان المِجرفة الضخمة من مكان لأخر وهي تغرسها بالأرض بحقد بغيض، ثم ترفع ما اصطادته لتركنه بعيداً، من أين لي وبعيني شاهدت تلكم الأسنان تخترق جسم فتاة البالية فيعلق جسمها النحيف بها، كانت كسر الاسفلت تتسربل من بين اسنان المجرفة بإنكسار مؤلم.
وقبل أن تكوّمه وبقايا الإسفلت المجروف جانباً عرجت هي للسماء يعقبها شهاب شديد البياض ناصح. بجلاء، شاهدتها تعرج لسماء الغياب فما من رجوع!

مقالات ذات علاقة

الــــــــــــــوداع

إبراهيم الككلي

المربوعة

عزة المقهور

قصص قصيرة جداً

إبراهيم الككلي

اترك تعليق