

عندما سئم فأر الحارة حياة البؤس حاول أن يجد طريقة تمكنه من العيش في قصر الملك .. حيث لا قطط شرهة و لا أطفال مشردون و لا فخاخ ينصبها الفقراء لحيوان بائس مثله..فقرر الاختباء في عربة الخضروات و دخول المطبخ الفسيح الذي لم يحلم به حتى في منامه.. هاله ما رأى من ضجة و صخب فتجمدت حواسه لدقائق من اختلاط روائح الطعام بألوان الضياء و أصوات الموسيقى فاستسلم لخياله محلقا في آفاق أرحب من كل جحور فئران قريته النائية ، مضى مع الحلم ببطء حتى أفاق على أصوات جلبة الطهاة واحتكاك الأواني و صليل السكاكين و خرخشة الملاعق وقرقعة الكؤوس، انتحى جانبا ممنيا نفسه بوجبة ملوكية على شرف قدومه الميمون لهذا القصر ،منتظرا انتهاء الوليمة و خمود سكان المكان الذين بدا التعب و الإرهاق واضحا على ملامحهم بعد يوم مضني من تجهيز الأطايب و الأطباق الفاخرة التي سيتذوقها بعد قليل طبقا طبق و سيدون تاريخها في ذاكرته الصغيرة بعد أن يحاول محو ما تم تخزينه في تجاويفها الحزينة.. لحظات و أطفأ السراج كل القناديل و ساد الظلام و السكون ارجاء القصر .. فخرج من مكمنه يقوده أنفه باتجاه بقايا الوليمة و شرع في تذوق الصحون بتلذذ فبدأت معدته الصغيرة في نوبة من التقلصات و التشجنات قبل صياح منادي القصر :
أغلقوا الأبواب .. واجمعوا الطهاة و الحراس
بينكم خائن في القصر ..
لقد نجى الملك من محاولة اغتيال بدس السم في طبقه المفضل .
لابد من العثور على هذا الخائن و في الحال.
ازدادت معدته تشنجا و نضح جسمه بعرق غزير و غامت عيناه بالدموع … و تراءت له مشاهد خروجه الأخير من أزقة قريته البعيدة.