أين ليبيا التي عرفت؟
المقالة

أين ليبيا التي عرفت؟ (37)

محمّد نجيب عبد الكافي

… بناة الاقتصاد

– الشيباني

إنّي إن كنت قد عرفت السيدين السنوسي جبر والهادي المشيرقي معرفة مكتملة، وتصادقنا وتواددنا طويلا، فمعرفتي بالحاج محمّد مصطفي الشيباني كانت أعمق وأخلص وأطول، كساها ودّ صادق، فبدت أخوّة شديدة الوثاق. يقول المثل الشعبي: “ما صاحب كان صاحب الشدّة” فهذا هو الحاج الشيباني مع كلّ الناس وخاصّة منهم الأصدقاء. دليل واحد يكفي لتجسيم ما أقول. عدت إلى تونس لكن لم تعد الحياة إلى مجراها الطبيعي. لست أدري كيف، لكنّ الصديق الحاج محمّد لم يخف عنه ذلك. ذات يوم امتطى الطائرة، نزل بتونس والتقاني. جلسنا نحتسي القهوة فإذا به يسألني إن عدت إلى العمل. أجبته بالنفي فقال: “أنت تحسن اللغة الإيطالية وأنا أمثل شركة كذا ومكتبنا خارج ليبيا بمدينة تورينو. سأكلم المسؤول هناك، ولك مكانك إن شئت.” صافحني وعاد لِتَوِّهِ إلى المطار. لا تعليق! أمّا حسناته فقد شملت الأيتام والأرامل شمولا مستديما متراسلا. عدد الطلبة الذين أرسلهم يدرسون في الخارج على حسابه كبير أحجم دوما عن ذكره. هذا جانبه الإنساني. أمّا على الصّعيد الاقتصادي فحدّث ولا حرج. ضرب بعصاه في مجالات متعدّدة، تجارات ومقاولات، مجدّدا مطوّرا طرق العمل وأساليبه ووسائله، فكان بحقّ ممّن ساهموا بجدارة ونجاعة في تطوّر اقتصاد ليبيا بصفة عامّة، يدا بيد مع نظرائه والمسؤولين قبل وبعد ظهور النفط.

– بن عثمان

الحاج علي بن عثمان يُعدّ من التجار التقليديين الذين خبروا المهنة وقواعدها وشروطها، فكان من البارزين الناجحين. لكنّه، وهو العارف بمستلزمات نشاطه، لم يتزمّت ولم يتحجّر، بل أطاع الظروف ومستلزمات التطوّر فأدخل الحداثة والوسائل المتطوّرة هو أيضا، ووسّع نطاق معاملاته، فأصبحت أعماله وتجارته بنت وقتها، باتصال وتبادل وتعاون مع كثير بلدان العالم شرقا وغربا، جنوبا وشمالا، حتّى يمكن القول، بلا مبالغة ولا ادّعاء، عادت أو بدأت ليبيا تلعب دور الوسيط ونقطة التواصل والتبادل بين ما وراء البحر الأبيض المتوسط ووراء الصحراء الكبرى. به وبأمثاله استرجعت التجارة الخارجية ازدهارها، وبدأت ليبيا تقول في ذلك كلمتها، مؤيّدة بالسّمعة الطيبة التي أصبحت تتمتّع بها سياسيا ودبلوماسيّا. كان من اختصاص الحاج علي المتاجرة في الأراضي وتشجيع البناء والإعمارفلعب، في هذا المسار أيضا دوره البارز الممدوح. لم يكن الحاج بن عثمان يقلّ عن الآخرين كرما وفعلَ خير. لقد عُرف عنه احتضانه العديد من الفقراء، ختان وتزويج الكثيرين من اليتامى والتبرّع بما كتب الله في كلّ المناسبات والفرص.كان حقّا من الذين يصدق في حقهم قول الله تعالى: “إن تبدواالصّدقات فنعمّ هي، وإن تُخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيّئاتكم والله بما تعملون خبير.“
غير هؤلاء كثيرون، عرفتهم لكن كما يعرفهم الآخرون، بلا اتصال مستمرّ ولا صداقة تقرّب فتسمح لي بإبداء الرّأي والحكم، فلا سبيل إلا ذكر ما سمعت لا ما لمست، فلا حقّ لي بولوج باب لا يجوز لي عبوره، لذا سأكتفي بسرد أسماء بعضهم مثل الحاج إبراهيم السوسي وصلاح الدين طاطاناكي، والحاج الكريكشي وتطول القائمة فيضيق المكان. لا شكّ أن جميعهم عمل بمقولة: غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون. فلهم جميعا من الله الثواب لقوله سبحانه: “إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا“.
بالذاكرة المزيد فلي عودة إن طال العمر.

مقالات ذات علاقة

الوقت…

ناجي الحربي

في حضرة ما نحب

ليلى المغربي

ثنائية الإسلام والغرب

عمر أبوالقاسم الككلي

اترك تعليق