ازدهار المناخ الثقافي ، وخفض ثمن الطباعة بنسبة 50% ، وفتح المجال امام عديد الاقلام بالتزامن مع تأسيس اللجنة العليا لرعاية الفنون والاداب ، والادارة العامة للثقافة ، ومقالات جريئة ذات نكهة ديمقراطية ، حملتها صفحات ” جريدة طرابلس ” ، ومحمد بن زيتون مدير المطبوعات يشيد بنجاعة مدير التحرير عبدالسلام دنف ، ويرثي رحيله اثر حادث اليم احزن الوسط الصحفي ، وغموض ولغط يشكك في سبب الوفاة ، وما اذا كان امرا دبر بليل، وصراعات الصحف عقد الخمسينات ، وتظاهرات طلابية واصطدام مع قوات البوليس اثر حادث 13 – 14 يناير 1964 م ، وما نجم عنها من اقالة الحكومة ، ونداءات تطالب باعادة النظر في الاتفاقيات المبرمة مع دولتي بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية ، وهتافات تصدح : ” لا للتمديد .. لا للتجديد ” ، الجلاء .. الجلاء ، واجراء الانتخابات العامة ، ومنع البعض من ممارسة حقهم في الترشيح ، واشتداد الصراع حول الغنيمة ، واصطدام من فازوا بصخرة السلطة التي تتهم بانها سهلت لهم سبل الصعود ، فيما كانت تبحث عن الامعات ، ولم تعد تقبل بأي شراكة .
مجلات تتصدر المشهد تعني بالفكر والادب ، ” ليبيا الحديثة ” ، ” الاذاعة ” ، ” الرواد ” ، ووزارة الاعلام وموقف نقدي من شعر المناسبات وان لم تضع اية اشتراطات ، وفوز ثلاثة شعراء من انصار التجديد في اول مسابقة على مستوى الدولة ، وجميعهم ممن يعادون في اعماقهم كل شعر يفضي الى المدح ويروج للمداهنة ، او يقبل بأي شكل من اشكال التخلف.
ازدهار القصة القصيرة المشحونة بالفكر التقدمي ، ونصوص لا تخف نبرة العداء للقواعد الاجنبية ، ” قصة الكرامة ” ، و ” البذور الضائعة ” في إدانة النمط الرأسمالي جملة ، وشخصية ” مفتاح ” المتخاذل بولوغه في ملاحقة المناضلين ، في مقابل ذلك المواطن الشعبي البسيط الكادح من اجل لقمة العيش في صمود وإصرار وعدم استسلام .
مدينة زاخرة بالحياة ، المطاعم والمقاهي ، ووجبات البرعي والكيلاني وابوحلقه الشهية المذاق ، ومدينة الملاهي عشية افتتاح الدورة السنوية لمعرض طرابلس الدولي ، وواقع متأزم يفضي الى عدم الاستقرار في مراكز السلطة ، وتكرار تغيير رؤساء الوزارات ، وحل مجلس النواب تحت مبرر عدم نزاهة الانتخابات ، وترانيم ادبية لنهج تحرري ، وكتابات تنويرية بعبق الوطن والوطنية ، ومعالجات للمسألة الابداعية ، تقارع التخلف والجمود والمحاكاة والتقليد ، برسم انامل عاشق الوردة الحمراء ، علي صدقي عبدالقادر ، ونصوص عبدالله القويري ، في ” معنى الكيان ” و ” وطني هذه الصحراء ” ، تكتلات شعبية ورؤى تنظر للاستقلال والوحدة الوطنية ، وأخرى تحفل بالنمط الاتحادي ، وثالثة تمرر الترويج لمشروع الحماية ، ورابعة للنظام الجمهوري ، ونادي ” الشباب ” يحي امسية نعي في ذكرى حولية رحيل الصحفي عبدالسلام دنف بحضور لفيف من الكتاب ، وحكايات الام والجيران في قصص خليفة التكبالي ، تستجوب طفولة بائسة وضنك العيش ، وقصة ” تمرد ” الفائزة بالمسابقة الادبية ، ولقاءات النخبة بمقاهي ميدان الجزائر ، واروقة فندق ” ليبيا بلاس ” ، وخسارة فادحة ، وخطب فاجع ، نبأ رحيل التكبالي فجأة ، اثر عملية جراحية لاستئصال المرارة ، والحزن يخيم على المكان والزمان مرة اخرى ، والشاعرة الصحفية خديجة الجهمي ، رائدة الحركة النسوية ، في قصيدة رثاء تخليدا لذكراه :
خليفة الغالي في التراب توارى .. قنديله طفا غطا الظلام انواره
توارى زوله .. وجف القلم فيده بطل مفعوله
حواري الجنه وين ما نادوله .. عجل لهم ما رد ودع جاره
ما ودعنا .. اللي فراقه لاعنا وفجعنا
اللي نجم عالي كان في مجمعنا .. ناره معانا دايره كباره
الشاعر علي الرقيعي ، وديوانه ” اشواق صغيرة ” الفائز بالمسابقة الشعرية ، وفاجعة رحيله فجأة اثر حادث سير اليم حاملا امآله العريضة في لقمة عيش غير معفرة بالتراب ، وخيبة امل وقد هجر الوظيفة وصار يذرع شوارع المدينة باثا احزانه يحاصره احباط وضيع .