

فأجأنا النفط في منتصف القرن
وكان القارُ دواء الجرب
وكنا قد أخترنا للبلاد علما
أحمر كدماء الأجداد
كشقائق النُعمان ولون الشفق
أخضر كطفولة الربيع
وآخر الاحلام ولون السحب
وسواداً هوى فيه من السماء
هلالٌ ونجمةُ
وكتبنا نشيد البلاد
يبدأ بالمليك
وينتهي بالمُفدى
وانحدرنا نحن الرُعاة
حفاة كسيل الشتاء
نحو المدن المُكتظة
نحاصرها بالصفيح
ونشٌقّها بالازقة
نغازل خبزها الحافي
جنوداً وعمالاً وشرطة
ونمضي نحو المواني
لنفرغ عاهاتها المستجدّة
وبالنفط نحن من غلّف
شوارعها المُتربة
ونحن من مسح التُراب
كل صباح عن أسفلتها
وفي مساء حاناتها الساخنة
نُبادل بآخر العرق
جُرعة خمرٍ ونكتة
وفي الليل نحرسها منها ومنا
ولفحولتنا الريفية
نتحايل بقروش الاعياد
على مباغيها المُزدحمة
وحين نرجع إلى حيث الحقول
عارية ومُسهدة
مُحملين بالعلب
المملّحة والحلوة
نتبختر فوق ضحك السهول
بالسراويل الضيّقة
فاجأنا النفط
فانحدرنا وتجاوزنا الروابي
نمضغ كعك المُدن
بلعاب البوادي
وخلفنا وضعت الحقول اسمالها
وكشف الريح عُريها
في قيلولة النفط
كوّم الزيتون ظله
والقم اعضاءه الهرمة
لموائد الذاكرة
وأغمض عيونه السود
حين سقطت اهدابه الناعسة.
والبحر يلقي إلينا
بالقناني والمباني
بالاحلام والآغاني
واللحوم المجمّدة
**
فاجأنا النفط في منصف القرن
وكنتِ ياحمّالة الحطب
في جيدك حبلٌ من مسد
ربطناه حتى لاتخرّي من التعب
وعندما جاءت الافران
ومواسير اللهب
استبدلناه بالحرير والذهب
هانحن كبرنا الآن
وغادرنا المضارب
لكن القبائل التي انجبتنا
ظلت تطاردنا وتمنحنا المناصب
لنبني مجدها الجاهلي
ونرتق عزها الحجري
بأصابع الوطن
**
سيودعنا النفط مثلما فاجأنا
وكأنه مطرٌ على الصحراء مر
فانخنا به ثم أسترحنا
ونعود للرمال
نشكوا لها الظمأ
فتسقينا بالثأرات والسراب
بالامثال والخُطب
لعلنا غذاً حين نمر بالآبار
وقد نفذ نفطها
سنقف وننشد
في ذكرى حبيب ومنزل
بينما تمر الابل خلفنا
ولا من يُزيل جربها .