مصطفى الطرابلسي


لمْ يكنْ بيني وبين “طرابلس “،غير ماأسماهُ النــحــاةُ (ياء النسبةِ)،ومجرد لقبٍ أنتجته اللغة ،رابطةُ التسمية ،كانَتْ هجرةَ الجد منْ هناك، على متن مركب خشبي ؛حطَّ به على كتوفِ شواطيء “رأس التين”،امتطى بعد نجاته ظهرَ حصان ،وترجل بعد المشقة ،نازلا لوسطِ البلدة المسماة “درنة”،وكلما جمعتني الصدفُ للذهاب إلي ” طرابلس “.. أحسُّ أني “غريبُ الوجهِ واليدِ واللسان”، ولكنَّ الامتزاج الحقيقي ،بدأ من انحناءة زقاق مفترع ،من زنقة”حشيشة” ،وامتدتْ الحكايةُ إلى طفولة “الكتاتيب”، حيثُ نما الحسُّ اللغوي ،على يدي الشيخ المصري المرحوم “محمد حسن يوسف”؛الذي أبان لي طفلا ،الفرقَ في الدلالة، بين الفعل “يُهدي” بالضم ،و”يَهدي” بالفتح.واعتملتْ بخلدي مراجلُ الحنين ،كلما شطَّ الجسدُ بعيداً ،عنْ أيقونة العشق والطيش والمرح،وما أحببتُ امرأةً ، إلا وأسقطتُ مشهدية “درنة” على شخصها ؛شَعْرها يكونُ الساقية،جسدها يصير عنبَ الدالية ،وصوتها مزمارٌ، يشتكي لسامعيه ،ثقوب النار اللاهبة،و دموع عيونها مطرٌ ،بللني ذاتَ ليلة شاتية.
لستُ أهتمُ بتاتاً للانتماء القبلي في”درنة”،ويضحكني ويؤسفني تعلق البعض به ،إلى حد العراك والتعصب البغيض ؛الذي لنْ يحقق مجتمعاً تعايشيا عفياً ،ولا تستهويني فصفصة أصول الأصدقاء ،ولمنْ يرجعُ فلانُ، ومنْ أي قبيلة؟
(لـيـبــيا ..هي بيتي الكبير ،ودرنة..هي غرفتي ؛التي أطلُّ من شباكها ،على فضاء الوطن الشسيع.)