
كم كانت حربك نبيلةً يا أبي
وكم كان نبياً حدسُك البدوي
وأنت تبني من أكياس الدقيق متراسنا.
دم يابس على أطراف أصابعك
وغزاةٌ من خلف البحر مروا بقمح الكهوف كالجراد
فأي متراس يحميني من وابل الذكريات
وقومي هم الغزاة يا أبي.
قلت لي، وأنت تُحدق في الكتاب بين يدي:
تعلم لغة العدو لتنجو ..
ولم تعلمني كيف أنجو حين يكون العدو أخي
على مرمى قذيفة من ساعة الحائط
أجمع شظايا أبنائي من أفق يتشقق
وكلما دوى قصف في الجبال
أقول لهم إنه الرعد
ولكن كيف لوهمي أن يصمد
وهم يعرفون هوية الانفجار من نبرته
المقتول أخي والقاتل
وهذا الرأس الملفوف بالقصدير
كأني شربت معه القهوة ذات صباح
والأطراف المبتورة تمشي كلَّ ليلٍ،
في كوابيسي، إلى قبورها الصغيرة
هل قلت وطني..؟
هل حدثتكم عن الوطن ..؟
أوه .. كم حدثتكم عن الوطن القادم أيام كنا نلتقي!
وكم علمتكم رسمَه في كراسة الواجب
انسوا كل هرطقات المدارس عن الوطن،
وانصتوا من جديد لدبيب الأرض في دمكم
حين يقول لكم الجار صباح الخير
حين تمشون في الأرض مرحا
حين تسكرون بعطر الشيح في المساء الخريفي
حين تخيمون مع الرفاق في سكينة الغابة
ولا يتبعكم الخوف كالظل
حين تضحكون من أب يكدس الطحين في زوايا البيت
حين تنتظرون الحبيبة في الشرفة المطلة على الدرب الحجري
ذاك هو الوطن الذي لم نقابله بعد
فامسحوا الخارطة من كراساتكم القديمة
وارسموا الوطن بيتاً
يحده من الشمال حب
من الجنوب وتر
من الشرق بخور ومن الغرب شفق ..
ارسموه ضحكةً في أطلس الروح
واغفروا لي كلَّ وهم دسستُه في عيونكم
واغفروا لي أني لم أصدق في غمرة الوهم حدسَ أبي
ولم آخذ كوابيسه على محمل الجد