خديجة الجهمي
سيرة حياة
.
نجيب عبدالله مخلوف
.
كنت قد كتبت عدة مقالات عن السيدة الفاضلة خديجة الجهمي ونشرتها في صحيفة اخبار بنغازي وفي كل مرّة اجد من يقرأ المقال جيدا ثم يبحث عن خطأ وقع سهوا في تاريخ الميلاد أو يبحث عن تفصيل بسيط بعيد عن لب الموضوع ويقوم بالرد واحيانا بإسلوب غير لبق كأن يتعمد عدم ذكر اسمي وانا كاتب المقال والشخص المقصود بالرد وهذه التصرفات هي اساليب صحفية من تركة الكتاب العموميين الذين لا يكتبون الاستاذ انما المدعو.. وهؤلاء الاساتذة انصحهم باحترام الآخر وذكر اسمه.. لأنه لا فرق بين إنسان وإنسان إلا بالابداع.. ونحن نكتب في مجال الأدب والثقافة فعلينا أن نكون حضاريين ولا تصدر منا مثل هذه السلبيات التي تسيء لذات الإنسان والتي مردها الكبر والضحالة والفراغ المعرفي.. فالذي كتب المقال علينا ان نحترمه كإنسان ونكتب اسمه اثناء الرد فهو كاتب والصحيفة تنشر له.. وتضع اسمه تحت مقالته.. وأعرف اننى لست ندا للأساتذة وغيرهم من الكتاب المخضرمين الذين يمتلكون أدوات الكتابة وأسرارها.. لكن من حقي أن أكتب في صحيفة مدينتي بنغازي.. أكتب عن شوارعها وازقتها وتاريخها وتراثها.. اكتب حسب وجهة نظري وحسب ما رأيته.. وهذه المنطقة التى اكتب عنها مدينة بنغازي القديمة سوق الحشيش وكل الشوارع المحيطة بهما ولدت بها وعشت فيها واعرف كل سكانها وعائلاتها بالاسم.. واعرف عن هذه المنطقة اكثر من الذي ذكر في الكتب.. وعموما انا لا اكتب من فراغ او انقل من الكتب او اسمع لكن اكتب ما عشته فعلا وعن تجربة.. وسواء ان ذكر اسمي في الردود ام لم يذكر فأنا موجود بقرائي وكتاباتي.. والثقافة ليست حكرا على احد ولم تصنع أوصياء عليها أو حراس.. وسبق ان تحدث عن هذا الموضوع الاستاذ فتحي الساحلي وقال بما معناه ان اعلام بنغازي وشخصياتها ليسوا ملكا لأي باحث او كاتب مهما كان مستواه او شهرته.. وكل هذه الامور لا تعنيني وها انا اكتب مجددا عن الاخت بنت شارعنا السيدة خديجة الجهمي وان كانت هناك أي اخطاء فسعيد بأن أعرفها كي أستفيد على ان تقترن بالدلائل ولا تكون كلام انشائي فقط.
السيدة خديجة الجهمي صحفية واذاعية واديبة ليبية لها اساهمات مهمة في نشر المعرفة والثقافة بين مختلف شرائح المجتمع.. كان ذلك عبر قصصها وبرامجها الاذاعية واغنياتها واساهماتها المهمة في الصحف والمجلات.. وقد ركزت السيدة خديجة الجهمي على الجانب الاجتماعي فنشرت الوعي بين النساء الاميّات وقضت كل حياتها في خدمة العلم ومحو الامية وحل المشاكل الاجتماعية ومنح المشورة التربوية.. وهي تعتبر من اوائل النساء الليبيات اللاتي تحصلن على العلم عبر الجامع والمدرسة.. ولقد لاقت صعوبة كبيرة في التعلم والخروج من البيت والسفر الى الدراسة من بعض افراد الاسرة لكنها بإصرارها وايمانها بالعلم تغلبت على كل الصعاب ونالت نصيبها من العلم والثقافة وساهمت بهذا النصيب الثري في نشر المعارف بين ربوع الوطن الذي كان انذاك يعيش في جهل وفقر وأمية.. في إحدى اعداد جريدة الفتح الثقافي وللأسف تاريخ العدد ورقمه غير واضح بسبب سوء الطباعة.. قامت الأخت الباحثة والاديبة والمؤرخة أسماء مصطفى الأسطى بإجراء حوار مفتوح مع السيدة خديجة الجهمي نقتطف منه هذه الفقرات التي تعرفنا جيدا بجانب من حياة السيدة الفاضلة خديجة الجهمي.. تقول خديجة الجهمي عبر جريدة الفتح الثقافي متحدثة بكل صراحة:
يقع بيتنا في شارع الكيش وهو زقاق صغير يتكون من بيوت متشابهة محصورة بينه وبين زنقة البعباع.. بيتنا ككل البيوت له نفس الهندسة التقليدية التي تبدأ بممر طويل يتوقف عند سقيفة تفتح على ساحة وسط البيت وفي كل ضلع من اضلاعه المربعة داران.. ارضيته مرصوفة بالاسمنت مما دعا الناس الى وصف بيتنا بأنه كبيوت الاجانب ( مستّك بالاسمنت ).
في وسط الحوش كان لدينا برميل كبير للماء وزير آخر بجانبه وككل البيوت وسطه مفتوح على السماء اما بيتنا فييه اضافة جميلة تتمثل في جنان فيه صندوق كبير للزرع وفي صغري كنت كلما تحصلت على عملة معدنية اسرعت بزرعها فيه ! ولهذا الفعل حكاية لانني عندما كنت في اول مرحلة تعليمية علمتنا المعلمة الايطالية اغنية وحفظتها لنا تقول كلماتها ما معناه mia borsa del dinaro bello يا حصالتي.. يا حصالتي الجميلة اضع فيك اليوما مليما لتزهر.. وتثمر فيما بعد فرنكات وليرات وبها احضر اشياء جميلة.. انها تمكنني من امتلاك اشياء اجمل من النجوم.. والطريف انه عندما تنطلق حناجر الصغيرات بالغناء تأمرني المعلمة بالسكوت لغلظة صوتي وتقول: خديجة لا تغني لأن صوتك يشبه صوت الرجال !.
ويبدو ان هذه الاغنية عاشت في خاطري وكنت اظن بانني ان زرعت فرنكات.. قد تثمر ؟ لكنها ابدا.. لم تثمر !!.
كل حجرات بيتنا مستطيلة بل تميل الى الاستطالة المفرطة، تحتوى حجرة امى على ناموسية وبستائر يقابلها من الجانب الاخر سدّة من الخشب المزخرف في اسفلها حجرة صغيرة تستعمل لاستحمام النساء تسمى مطهرة الجزء الاخر من السدّة تسمى الخزانة وفيها كما يبدو من اسمها تخزن المؤن في الجدارالمقابل لباب الحجرة هناك البنك تعلوه مخدات مطرزة بقربه الصندوق الكبير والى جواره شكماجة تعلوها مرآة كبيرة.
كنت انام في حجرة امي اما اختى جازية فكانت تنام في الغرفة القبيلية حيث يفترشها كليم واشياء اخرى لا اذكرها اما المربوعة ففيها بنك اخر للضيوف ويميزها وجود الحاكي نسمع عبره اسطوانات بشير فحيمة والل زبيدة فيما بعد حل الصالون محل البنك.
والآن سنقرأ سطورا موجزة عن حياة خديجة الجهمي منذ ولادتها حتى انتقالها الى الرفيق الأعلى ومصادر معلوماتي تحصلت عليها عبر الشبكة العالمية الانترنيت.. وقارنتها بما لدي من وثائق ومعلومات ووجدها صحيحة بنسبة كبيرة.
ولدت الأديبة خديجة محمد عبدالله الجهمى، بمدينة بنغازى فى 15/3/1921، حيث درست القرآن الكريم، ثم دخلت مدرسة الأميرة ببنغازي فى أكتوبر سنة 1947، ودرست بها حتى أغسطس 1952، سافرت بعدها إلى مصر، حيث درست الإعدادية والثانوية بمدرسة عابدين الليلية بالقاهرة وتخرجت فيها عام 1956، رجعت بعدها إلى بنغازى فى أكتوبر سنة 1965 لتعمل مذيعة بإذاعة بنغازى، ومنها إلى طرابلس، لتمارس العمل الإذاعي بها وبقيت تمارس العمل الإذاعي إعدادا، وتقديما، إلى جانب عملها الصحفى الذى ابتدأ من عام 1965.
نشرت نتاجها فى عدد من الصحف والمجلات من بينها برقة، ليبيا الحديثة، المرأة،الأمل، والجيل المصرية، قدمت للإذاعة عشرات البرامج الاجتماعية، والثقافية من بينها: (أضواء على المجتمع) الذى استمر مدة عشرين سنة، و(ركن الأطفال)، و(صور من الماضى)، و(اسأل الطبيب)، و(اسهر معنا) كما ألفت عددا من الأغانى الشعبية التى تغنى بها كبار الفنانين الليبيين، أسهمت فى تأسيس الإتحاد النسائى الليبى، وتولت رئاسته عام 1972، كما تولت رئاسة تحرير (مجلة المرأة) عام 1965، وكانت الرئيس المؤسس لها ثم رأست تحرير (مجلة الأمل)، شاركت فى عدد من المؤتمرات النسائية، والصحفية منها، مؤتمر الأتحاد النسائى العربى سنة 1970، والحلقة الدراسية حول أثر الصحافة فى التربية بألمانيا سنة 1962، أجرى معها عدد من الحوارات الصحفية والإذاعية فى كل من صحف الثورة، الحقيقة، طرابلس الغرب، والبلاد، وكتب عنها عدد من الأدباء والكتاب من بينهم، ياسين رفاعية فى الكفاح العربى اللبنانية.
جمعت الأستاذة عزيزة الشيبانى من نتاجها فى كتاب صدر عن مكتبة طرابلس العلمية العالمية بعنوان (خواطر بنت الوطن).. حصلت على عدد من الأوسمة منها وسام الفاتح، وجائزة الفاتح التقديرية عام 1995.
من مؤلفاتها (أمينة) الصادر عن الدار الجماهيرية عام 1978، أما المخطوطات التى لم تنشر: الطريق إلى المهارات، أزياؤنا فى أغانينا، والزواج بالأجنبيات.
والجدير بالذكر أن السيدة خديجة تولت رئاسة اتحاد المرأة عام 1973، واشتركت في لجنة اتحاد الجمهوريات، وهي احدي رائدات المطالبة بحقوق المرأة مند الاستعمار الإيطالي، تعلمت علي حسابها الخاص ولم تستفد من التعليم الرسمي، ناضلت في سبيل حق المرأة لخدمة شقيقاتها في جميع أنحاء البلاد،كما أنها تعي جيداً ما تحقق من انتصرت في ظل الثورة.
انطلقت بعزيمتها وإرادتها القوية لتكون أول مذيعة تألقت في سماء الجماهيرية، واجهت ناقل الصوت لأول مرة عبر الإذاعة المسموعة عام 1956 ف، وبذلك أستقبل الجمهور برامجها الاجتماعية والندوات العائلية والمتابعات التي تلبي رغباتهم من مختلف الأعمار كباراً كانوا أم صغارا، لم تترك فراغا في حياتها، بل سعت جاهدةً في سبيل العطاء لتوصيل المعلومة وكل ماهو مفيد لغيرها، فمن خلال أبداعها فى تقديمها للبرامج الاجتماعية التى أثرت فى نفس المشاهد جعلت الأسر الليبية مجتمعة بين جدران منازلها في استماع لمقدمتهم (خديجة)التي أثرت في نفوسهم بالمفيد تم المفيد.
انطلقت من كونها مذيعة إلي ما هو جدير بثقافتها وعلمها، فكانت أول من أسس مجلة ليبية باسم (مجلة المرآة) التي أصدرتها عام 1965ف، والتى أصبحت فيما بعد باسم مجلة (البيت) والتى تعي بالمرأة، ومن مجلة البيت التي تخص أو (بالاحري) تخاطب جميع الفئات اتجهت إلي مخاطبة الأطفال وهى رسالة لايقدر عليها إلا فيمن يتواخر فيه إبداعات مثل ماهو عند هذه السيدة الفاضلة..وكان موعد إصدار مجلة الأطفال عام 1974.
الكثير من النساء انطلقن نحو المجال الإعلامي والثقافي متخذي درب(خديجة الجهمي) دربهم، ساهمت فى إعداد جيلاً من الكاتبات الليبيات والصحفيات والمذيعات اللائي سرن علي نهج خديجة الجهمي.
كما خصصت ركناً للأطفال، وبذلك أبدعت فى مخاطبة أذكى فئات المجتمع.وهما الأطفال.. و كان مشهوداً لها بثقافتها وجدارتها في العمل وإخلاصها في أداء الواجب وكانت علاقتها بالوطن علاقة الأم بطفلها عانقت كل البيوت الليبية بصدر حنون وبصوت عذب من خلال تقديمها في الاذاعةالمسموعة.
من بين المئات من النساء تألقت بإبداعها، اعتنقت المجال الإعلامي فجمعت بين (الإذاعة والكتابة والثقافة والشعر) في أن واحد، سرب من الذكريات الجميلة التي تركتها(السيدة خديجة)المذيعة والكاتبة والصحافية
كرمتها الثورة عن دورها المتميز في مجال الشعر الغنائي، كما كرمتها عن الدور الفاعل والمؤترفي خدمة الوطن في المجال الإعلامي، وتكريس حياتها لمتابعة الأعمال الثقافية والإبداعية فترة تربوعن نصف قرن حين منحتها جائزة الفاتح التقديرية للأداب والفنون عام 1995ف، توفيت رحمها الله تعالى يوم 11/8/1996.