من أعمال التشكيلي.. معتوق البوراوي
قصة

لعلك نسيت…

من أعمال التشكيلي.. معتوق البوراوي
من أعمال التشكيلي.. معتوق البوراوي

 

بعد سفرك الطويل هاأنت تعود …قلت في نفسي ..لعلك نسيت طريق العودة.
عشرون عاما من الغياب كفيلة بأن تنسيك عمرا بحاله …يبدو أنها لم تؤثر في ذاكرتك البتة، لكنها تركت بصمة واضحة في مظهرك ..شكلك الذي أضحى أجنبيا …خلتك في البداية أحد المشاهير الذين أراهم عبر شاشات التلفزة، و بعد إعادة نظر في تقاسيمك لاح لي عرقك العربي… هذا هو أنت بلحمك و شحمك و دمك! حتى ابتسامتك و تكشيرتك! . أنت هو أنت يا أحمد لم تتغير في طباعك و أسلوبك، جميل أنك مازلت كما عهدتك، جذاب في الحديث، لبق، هادئ النفس،منضبط في مواعيدك، متوازن الشخصية … للأسف كثيرون من هم اغتربوا مثلك و لم يعودوا، لعلهم اضاعوا الخريطة لعودتهم، أو أنهم محوا من أدمغتهم كلمة رجوع و أقبلوا على غربتهم راكضين غير مبالين بظروفها الحالكة، هم ليسوا أنفسهم و لا هم أنفس تلك المغتربات بل امسوا نفسيات ممتزجة ..حدث لهم مثلما حدث للعصفور الذي قلد الدجاج في مشيه فنسي طيرانه و نسي المشي و ظل بين بين …نسوا أو خلعوا قيمهم و تخلقوا بغيرها… لم يرضهم الحال الظاهري فعمدوا إلى استنساخ كربوني طال داخلهم الفج، لم و لن يكتفوا حتى يجروا غيرهم إن عادوا و يبدلوهم قشورا و جوهرا.
هل رأيت مرة دب الباندا يعيش في رمال الصحراء أو نبات الخبيزة ينمو في الجليد؟.
وحدك ففط المخلوق الذي يحلو له تجربة المستحيل، تركب عنادك و تقف في عمق الحياة تقاوم قساوتها و أقول في داخلي مؤكدة لعلك نسيت…نسيت مع مرارة الأبام و ذل العيش أو ترفه كل ما مضى من عمرك اللاهث في سراب …فليس ثمة ما يذكرك به بعد رحيل دام طويلا .. الغائبون لا يعودون! . في قاموسنا الحياتي تلعب المصلحة دورها و تؤديه بنجاح باهر …ما مصلحتك من وراء عودتك؟ .

***
أنا أحمد الذي لم يغب خيالك عن عينيه لحظة رغم غيابي العشريني ظللت رفيقة لروحي كغيمة تظللني، تمنع عني هجير الوحدة ….كمعطف شتوي يقيني برودة الغربة … كمنديل يمسح دموعي و نزف جراحي ….قنديل يعبر ضوءه في دهاليزي الحيرى …كيف لي بنسيانك و أنت معي تسكنينني، تأكلين و تكرعين معي؟!.
عشرين ربيعا تجمد فيها قلبي … في هواك رهنته… لجمته. دقاته تعبت منذ فارقتك ..كل ليلة اسكت أنينه المتهاوي بحلم العودة إليك، لكنه لا يكف عن لوعته و مناجاته إياك.
تظنين أنني نسيت؟ ..كبدي الرطيب يعانق فجرك..سوادي يطالب فجرك بالبقاء ..ما عرفتك تخلفين وعدا … انتظري لا تذهبي .

لن ينفعك انتظاري و لا فجري باق …

لا تقسي على قلبي المعذب … عشرون سنة احلم في لقاء جديد بك ..
الصمت اجدر من الكلام في مثل هذه اللحظات، و من الحكمة ألا نكون أنانيين متكبرين و إن أخطأ أحدهم بحقنا و لم يقدر قيمتنا إلا مؤخرا، صاحب الصدر المتسع حلما هو من يعيش سعيدا مغتبطا راضيا عن نفسه و نائلا لمحبة الآخرين مهما كان شكله و مركزه.

***

ما الذي اعادك يا أحمد بعد كل هذا الغياب؟ .

الحنين جمره كوى حنايا وجداني …الشوق نيرانه تحرق كياني..

لولا حنينك و أشواقك ماكنت لتعود! … أين كان هذا كله يوم لوحت بيدك مودعا أم لم يكن له اعتبار لديك؟!.

كنت مجبرا على تركك و لولا ذلك لما ترك الأحبة بعضهم …تركت مسيرا لا مخيرا ..ليس هنالك أحد في العالم من يكره فلذة كبده و أحب البقاع لقلبه …أي امرئ هذا الذي ينعدم احساسه بالإنتماء؟ الواحد منا عندما يكبر يزداد يقينا أنه لابد من عودته للجذور ،للتربة التي شهدت ميلاده و طفولته، غرست فيه معاني الحب و الوفاء، أجل جربت العيش خارج كنفك لكني اختنقت كمدا، لأنك من علمني أجمل المبادئ و القيم عدت إليك متنفسا هوائك، متلذذا برغيد العيش فيك، ليضمني ترابك الغالي بعد موتي …

لماذا لم تعد قبل أن يمر نصف عمرك هدرا؟ .

آه…. لأني كنت أسير قضبان سجني !!….

10/أكتوبر

مقالات ذات علاقة

مسعــــودة

إبراهيم بن عثمونة

بائع الدجاج

المشرف العام

انْتِـقــَـــــامٌ

خالد السحاتي

اترك تعليق