من أعمال التشكيلي علي الوكواك
قصة

نهارك أبيض

من أعمال التشكيلي علي الوكواك
من أعمال التشكيلي علي الوكواك

 

“نهارك أبيض”
تقول لي العجوز السبعينية زوجة البواب الثمانيني وهي تمسح الدرج بوهنٍ ظاهر .فأهمس لها باسماً :
“صباح النور يا حاجة” .

“نهارك أبيض” 
تهمس بها العجوز رغم أن “العيشة” ليست كذلك .
إنها رمادية بعض الشيء ..
مثقلة بالفقر و”لقمة العيش” الصعبة، وطلبات الدنيا وضيق ذات اليد وتداعي البدن المتعب في مواجهة أعباء العمل التي لا يدركها الضعف.

رمادية حياة الحاجة “أم حسن”، لكنها تلونها كل مطلع شمس بابتسامتها ودعائها الصادق من أعماق وجعٍ قديم:
– تُكالنا عليك ياااااارب .

رمادية حياة الحاجة المزدحم وجهها بالتجاعيد والسمرة والمواجع، لكنها تطرد عنها كل هذا بنسمة طازجة من هواء شط الاسكندرية المنعش، حيث تواجه العمارة التي تعمل بها على كورنيشها الطويل.

رمادية هذه الحياة ..
لكن أصابع يدي الحاجة المرتعشة المتعجدة، لا تجد وقتاً لمناقشة هذا الموضوع، إنها تنشغل منذ طلوع الشمس في الكنس والغسل وتلبية طلبات سكان العمارة من المحل المجاور، صعوداً وهبوطاً عبر المصعد حتى تجبرك على التساؤل متعجباً: كيف تجد القدرة على كل هذا النشاط رغم كل هذا العمر؟

رمادية هي الحياة ..
لكن هذا الشعب المثابر لا يهتم كثيراً للتأمل في هذه الجملة، إنه شعب تعلم أن الحياة ليست ملعقة ذهب في فم مترف، وأنها حرب طويلة، معاركها أيام متعاقبة وبطولاتها عمل متواصل وجائزتها لقمة عيش حلال.

هكذا هم الفقراء الطيبون في مصر، لا أحد ينام، ولا أحد يهتم إن طلعت الشمس أو غربت، أو بردت الدنيا أم استعر لهيب صيفها، لا أحد يهتم، فقط ما يشغل البال هو أن هناك يوم جديد، يدق الآن طبول معركة جديدة، وأن حرب هذه الدنيا على البشر لم تنته بعد.

أم حسن، يا عجوز الطالع الحسن والوجه المتعب والتجاعيد المتخمة بالوجع:
نهارك أبيض!

مقالات ذات علاقة

ظلام الظلام

محمد دربي

ونيس…

أحمد يوسف عقيلة

حرب السلاطين

محمد المسلاتي

اترك تعليق