حوارات

الناقد الليبي “إدريس المسماري” في حوار لـ الجزيرة أسئلة الناقد هي حفر مستمر في الذاكرة الثقافية

هل الشعر الليبي مجرد هامش للمتن الشعري في المشرق العربي

الناقد الليبي “إدريس المسماري” في حوار لـ الجزيرة

أسئلة الناقد هي حفر مستمر في الذاكرة الثقافية

حاوره: شريف صالح

الناقد: إدريس المسماري

بكتابه النقدي المتميز حدود القراءة يؤكد الناقد والأديب الليبي إدريس المسماري إن الساحة الإبداعية الليبية زاخرة بالعطاء وتعيش في تواصل حقيقي يمتزج فيها النضال مع الإبداع فهي التي قدمت عمر المختار وفي الأدب قدمت إبراهيم الكوني وغيرهم من الرواد الأوائل ناصر التليس وحتى إبراهيم الفقيه وينتمي إدريس المسماري إلى الجيل الحديث ويرصد في كتابه حدود القراءة عددا من الأعمال الإبداعية المتنوعة التي دار حولها حوارنا معه للجزيرة بجانب تسليط الضوء على مراحل النهضة في ليبيا وواقعها الثقافي الذي قد يغفل عنه الكثيرون.

مائة عام من النهضة

– صدر لك مؤخراً كتاب حدود القراءة وكانت الملاحظة الأولى انك تُعنى بالتطبيق أكثر من التنظير؟

التنظير النقدي قضية أساسية في ثقافتنا خاصة مع تداخل الأشكال الأدبية حاليا, لكن تبقى الممارسة النقدية الحقيقية هي قراءة النص واكتشاف مستوياته وسياقه وتحليله، من هنا يصبح النقد فعالا ومؤشراً يدل على إمكان تجدد الحياة والإبداع,, وعلى أي الأحوال فأن تكتب نقدا يعني أن تحترق بجمر الأسئلة: كيف، لماذا، أين؟! إنها أسئلة الحفر المستمر في الذاكرة الثقافية بحثا عن الأجمل والأروع في الإبداع.

– من خلال الكتاب يتبين تنوع الدراسات فيما بين الشعر والقصة والمقدمات التنظيرية,, وقبل أن نخوض في التفاصيل نود أن نضع أمام القارئ أهم ملامح النهضة الثقافية في ليبيا؟

ليبيا تاريخيا منطقة طرد سكان باعتبار أن حجم الصحراء كبير للغاية باستثناء مركزين حضاريين هما طرابلس وبنغازي, كما إنها جغرافيا تحتل موقعا متميزا بين المشرق العربي والمغرب العربي,, وقد لعبت عناصر الجغرافيا والتاريخ دورا أساسيا في التكوين الثقافي، فخضوع ليبيا للاستعمار الايطالي كان دافعا لتأسيس الصحافة الوطنية، وقرب ليبيا من مصر ساعد على التبادل الثقافي بين البلدين، فدخلت المطبعة ليبيا بعد فترة قليلة من دخولها إلى مصر، وأول ديوان ليبي لمصطفى بن ذكرى طبع في مصر عام 1882م, كما إن الشاعر الليبي سليمان الباروني انشأ في مصر جريدة الأسد الإسلامي المناهضة للاستعمار، وجاء كثير من الطلاب للدراسة في الأزهر الشريف,, وتوالى هذا التبادل الثقافي ليتجلى مرة أخرى في مساهمة الأساتذة المصريين في تأسيس الجامعة في ليبيا عام 1961م وعلى رأسهم عثمان أمين وعبدالرحمن بدوي، بجانب إحسان عباس ونقولا زيادة وغيرهم.

– رغم دخول المطبعة إلى ليبيا في منتصف القرن التاسع بما يعني أن عمر النهضة يزيد عن مائة عام، إلا أن هناك اتهاما للمبدع الليبي بأن علاقته بتراثه وبالأجيال السابقة تكاد تكون مقطوعة؟

نتيجة لان نهضة ليبيا ارتبطت واستلهمت المشرق، فكل جيل من الأدباء الليبيين كان يتطلع دائما إلى تجارب المشرق,, فمثلا جيل الخمسينيات لدينا يتابع صلاح عبدالصبور (مصر) أو السياب (العراق),, بدلا من الاهتمام بتجربة احد الشعراء الليبيين المؤسسين كأحمد الشارف مثلا,, لكن اعتقد ان هذا الوضع تغير بازدياد النضج والوعي بالذات وتبني الدعوة إلى ترابط الأجيال، والتعامل بمسؤولية مع المشروع الثقافي الوطني, ففي العام الماضي مثلا أقيم احتفال بمئوية أحمد رفيق المهدوي تحت شعار مائة عام من الإبداع والثقافة في ليبيا.

نجوم فوق المنابر

– إذا كان كما تقول هناك مشروع ثقافي وطني,, فلماذا لا يزال المبدع الليبي بعيدا عن منابر الثقافة العربية,, بمعنى أدق لا يتواصل معها أو على الأقل غير معروف على تلك المنابر؟

المبدع الليبي ليس بعيداً برغبته, فثمة مؤسسات عربية لا تدعو كتابا من ليبيا على الإطلاق,, لكن هذا لا ينفي وجود مثقفين ليبيين معروفين بإبداعهم على المستوى العربي,, إذن الصوت الليبي ليس غائبا ولكنه مغيب,, لان الواقع الثقافي العربي يتعامل مع النجوم أكثر مما يتعامل مع المبدع الحقيقي، وثمة جو من البربا جندا يحيط بالثقافة العربية!! مما يجعلنا ندعو إلى حركة ثقافية حديثة، تنقد نقداً حقيقيا غير مُتجن، وتعيد النظر إلى واقعنا، وعليها أن تمتاز بالشفافية أكثر.

– وهل عيب الثقافة العربية البرباجندا فحسب؟

بالطبع هناك أشياء أخرى,, فثقافتنا قد مرت بقفزات لم تترك لنا الفرصة كي نقف أمام أنفسنا ونسألها: لماذا هذا الشكل أو ذاك؟ لماذا نريد التطوير؟ ولهذا اغلب التطويرات تحدث عفوية ودون وعي حقيقي,, فمثلا بعد قصيدة التفعيلة جاءت قصيدة النثر، هل يعني هذا ان قصيدة التفعيلة استنفدت أغراضها؟ كما أن من أوجاع الثقافة العربية قضية إلغاء الآخر، والمثقفون أنفسهم يحتاجون إلى ديمقراطية فيما بينهم لإيجاد واقع ثقافي حقيقي يتجاوز تراكمات الماضي السلبية, ويكفي إننا مازلنا نعاني من انتقال بعض الكُتاب بين بعض البلاد العربية.

القبيلة وطن

– قدمت دراسة هامة عن أحد رواد القص في ليبيا وهو عبدالله القويري,, فكيف تقيم تجربته؟

عاش القويري سنوات شبابه الأولى في المهجر بمصر هربا من بطش الفاشية الأولى، وخلال حياته بمصر خالط الناس والواقع المصري ورصد ذلك في مجموعته حياتهم التي نشرت اغلب قصصها في جريدة المساء المصرية, وبعد عودته إلى الوطن سنة 1957م قام بقراءة الواقع تاريخيا واجتماعيا، فهو كاتب لديه إحساس مفزع بالغربة داخل الوطن، حيث لا يزال معنى الوطن في ليبيا هو وطن القبيلة,, ولدى القويري ولع بهندسة العوالم والشخصيات مما يعني طغيان الفكرة على الشكل، وعدم العفوية وبالبساطة، يتجلى هذا في حواراته الذهنية على سبيل المثال، كأن ثمة أزمة أو فكرة مسبقة عن المعالم يطمح الكاتب لتحقيقها في الذهن وليس في الواقع.

– من خلال اهتماماتك النقدية أين تضع تجربة إبراهيم الكوني على خارطة الإبداع العربي؟

يمكن ان نقول: ان الكوني يقف بجدارة اسما شامخا في خارطة الإبداع الروائي العربي، حيث يقدم لحظة روائية هامة أعطت دفعا جديدا للشكل الروائي، فما أنجزه الكوني بشهادة النقاد العرب إضافة لا تنكر للرواية العربية، لأنه ارتاد مناطق غير مألوفة على الرواية العربية التي انحصرت مواضعها بين (الريف/ المدينة) فجاء الكوني وانتقل إلى عالم الصحراء بتراثه الأسطوري والعجائبي.

الشعر هنا.. والشعر هناك

– إذا انتقلنا إلى التجربة الشعرية في ليبيا.. هناك اتهام يؤكده كلامك السابق بأن التجربة الشعرية في ليبيا تعيش عالة على المشرق العربي؟

بداية هناك عجز عن لملمة القصيدة الليبية المبعثرة في الصحف والدوريات وبعض الدواوين المتفرقة التي طال عليها الأمد منذ ان صدرت,, ويمكن القول ان القصيدة الليبية الحديثة ولدت في منتصف الخمسينيات من رحم التجربة الشعرية في المشرق، مثل أي مولود حاول الشاعر الليبي آنذاك ان يقلد روادها، فأخذ أو استعار كل شاعر ليبي صوتا شعريا من المشرق يتواءم مع مزاجه النفسي ورؤيته الاجتماعية,, وفي عام 1965 أصدر الأستاذ خليفة التليسي دراسة رائدة بعنوان رفيق شاعر الوطن ومن خلاله طرح بعمق وبمنهجية شخصية هذا الشاعر الرائد الذي يعد احد أقطاب المدرسة الكلاسيكية مثل حافظ وشوقي في مصر,, ليصل بالبحث إلى السؤال الأساسي: هل الشعر في ليبيا مجرد هامش للمتن الشعري في المشرق؟! هذا ما يحتاج إلى دراسة مستفيضة ومعقدة.

– قمت بقراءة عدد من دواوين الشعراء الشبان.. وكان الملمح الرئيسي هو غلبة قصيدة النثر.. فماذا عن قصيدة النثر في ليبيا؟

الإبداع الشعري الحداثي في ليبيا يُعنى بالإيقاع اليومي للحياة وتشكيل رؤية جمالية من المألوف والعادي, من هنا أصبح شعراء قصيدة النثر ظاهرة متميزة من حيث النشر والتواجد والتفاعل، وان كانوا يجابهون بالتسفيه من قبل الاتجاه المحافظ,, لكن مكمن الإشكالية يتجلى في غياب البحث والدراسة العميقة لقصيدة النثر، التي أدى حضورها المكثف إلى فتح الباب على مصراعيه لكتابات ساذجة ومدعية ولا قيمة لها,, كأن قصيدة النثر هي لصق مجموعة من المعاني والصور الرديئة والكلمات غير المترابطة التي تقتحم القارئ وتشوش ذائقته الأدبية.

عن صحيفة الجزيرة

الجمعة 28 ,شوال 1420 العدد 9990

مقالات ذات علاقة

سعاد اللِّبة: عندما أرسم أشعر وكأنني ألتقي الحبيب

المشرف العام

حمزة الصابر العوامي: ”تأثرت كثيرا بدافنشي!“

حنان كابو

الشاعرة خلود الفلاح: علاقتي بالأشياء فيها الكثير من الحميمية

المشرف العام

اترك تعليق