أجمل الشعر هو ما يستطيع قائله أن يقول الكثير من المعاني بأقل قدر من الكلمات, وأفضله هو الذي بمكنته ان يختزل الحالة الشعرية التي تنتاب الشاعر ويحيط بها, أو حتى يتجاوزها إلى ما هو أعمق, بمفردات طفيفة.
أجمل الشعر هو الذي يمتلك خاصية النفاذ إلى أعماق النفس السحيقة ويُلامس القصي في روح الإنسان ويقول المخبوء غير المتطرق إليه.
أفضل الشعر هو الذي يأخذنا برفق وينتشلنا من خِضم اليومي واللهاث وراء المُلِح من الحاجات ويضعنا في البقعة التي لا يغادرها الضوء, بِصرف النظر عن صدقيته.
أروع الشعر هو ما يرتحل بنا عبر الخيال اللامحدود ويرسم لنا الصِور الجديدة كل مرة, ولا ينّفك يتعتعنا بنبيذه المُعتق.
أجمل الشعر هو ما يجعلنا نقترف الذهول ونرتكب الدهشة دون أن ندري, وبِلا مُقاومة, هو ما يقترح علينا حيوات إضافية مزدانة بالألوان ومُطرزة بالموسيقى ويهيئ لنا خِبرات غير مُستهلكة.
أحسن الشعر هو ذاك الذي يمتلك آلية استمراره من داخله فلا يتوقف عن توليد المعاني وسوق الدِلالات والأنفتاح على أي تأويل مُفترض, هو ما يقوله قائله ويمضي في حال سبيله, فيما تظل أصداءه تتردد لمئات أو حتى لألاف السنين –والشواهد كثيرة-, هو الذي نرتكن إليه كلما داهمنا الضجر وأخطأنا عسل الصُدف, كلما هزَّنا الشوق واستبد بنا الحنين, هو الذي يكنس بعراجينه ما عشعش من سوءِ طالع في الجوار ونرقُب من شرفاته العالية طلائع الياسمين.. هو الشعر الذي إذا ما اقتربنا منهُ شبراً اقترب منا خطوات, هو الذي إذا ما آتيناه مشياً آتانا هرولة, هو الذي بقدر ما نقترب منهُ يقترب مِنا , وبقدر ما نقترفه يقترفنا أو يكتبنا إذ نكتبه, هو الذي يُعيد أنتاج اليومي والعابر والواقعي المُعاش ليجعل منه شفيفاً ومُفاجِئاً ومدهِشاً, والذي يصدمنا ببساطته الفادحة ويُفجر في دواخلنا ينابيع الأنبهار . . هو الشعر .