المقالة

بعبع الفلسفة

منذ البداية، وُوجهت الفلسفة عند دخولها العالم الإسلامي، كفكر يوناني وافد، بنفور وعداء مستحكمين، وكان هم الفلاسفة والمفكرين المسلمين المتفلسفين مؤالفة الفلسفة مع الدين والمصالحة والتوفيق بينهما على قاعدة أن “الحكمة (الفلسفة) حق والشريعة حق، والحق لا يناقض الحق” مثلما دُرج على القول. كان هم الفلسفة الوافدة مهادنة الدين ومراضاته.

أما عندما دخلت المسيحية إلى أوروبا، باعتبارها دينا وافدا، واجه رجال الدين المسيحيون، من الناحية الثقافية والفكرية، خصمين أساسيين هما: الديانات الوثنية، والفلسفة اليونانية. كان الانتصار على الخصم الديني سهلا، أما المعركة مع الفلسفة فقد كانت مريرة واقتضت من رجال الدين المسيحيين تنازلات عدة. كان شاغل رجال الدين هؤلاء استئلاف الفلسفة ومحاولة استبطانها في إطار الدين المسيحي لمهاجمتها ومقاومة هجماتها بنفس أسلحتها. الأمر الذي مكن الفلسفة، حتى بعد انتصار المسيحية بشكل كاسح، من التكيف والمقاومة والتحايل، إلى أن قيض لها، في العصور الحديثة وضمن تفاعل وتضافر جملة شروط مساعدة، الانتعاش والتعافي واحتلال مركز الصدارة من جديد.

أما في إطار الحضارة الإسلامية، فقد تم، ودائما في إطار تفاعل وتضافر جملة شروط داعمة، القضاء عليها قضاء شبه مبرم.

العداء للفلسفة في العالم الإسلامي باعتبارها خطرا ينذر بالقضاء على الإسلام وثوابته وهوية الأمة، استدام حتى اللحظة الراهنة.

في كتاب صادر سنة 2016 تحت عنوان “مستقبل الفلسفة في مصر”* يقترح مؤلفه التخلي عن اسم “الفلسفة” وتبني اسم “الأصوليات”.

لماذا؟!

لأن اسم الفلسفة “يجرنا ويربطنا إلى تراث ليس بتراثنا، هو ثقافة اليونان وفكرهم، وإلى ثقافة الحضارة الغربية وفكرها” (ص 221). ويشدد على أنه “لم يحدث أن قبلت الحضارة الإسلامية تراث الفلسفة اليونانية ولا اعتبرته جزءا منها على نحو ما كانه علم الكلام** أو علم الفقه، بل ومبحث التصوف” (ص 222). كما يؤكد على أن وجود الفلسفة في الحضارة الإسلامية كان ظاهرة هامشية ما لبثت أن أطاح بها الهجوم الذي شن عليها (ن. ص)، لأنها كانت “ظاهرة ‘غير مشروعة‘ و ‘غير شرعية‘” (ص 223). ويخلص إلى أن الإبقاء على اسم الفلسفة “سيزيد من قيدنا إلى وهم خطير هو وهم (المركزية الغربية)” (ص 225). الأمر الذي يؤدي إلى “الاغتراب أو “الاستلاب” (ن. ص).

لا نريد أن نمضي أكثر في مناقشة المسألة. لكننا نحب أن نشير إلى أن المؤلف يثبت أنه حرر كتابه هذا بين عامي 1987 و 1988 ويبدو أن طبعته الأولى صدرت أواسط التسعينيات. وكان معمر القذافي أوائل الثمانينيات قد اقترح، ونفذ، تغيير اسم الفلسفة إلى “التفسير”.

اللافت أن المؤلف لم يجعل عنوان كتابه، كما يقتضي مقترحه “مستقبل الأصوليات في مصر”.

*د. عزت قرني، مستقبل الفلسفة في مصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2016.

** المعروف أن علم الكلام قد حورب بشدة هو الآخر لاستخدامه أساليب الحجاج الفلسفي. بل إن الفلسفة دخلت عن طريق علم الكلام، بالذات على يد المعتزلة.

_______________________

نشر بموقع بوابة الوسط.

مقالات ذات علاقة

عزلة المثقف في زحام المدن

المشرف العام

الحرايمي، لَمْ يَكُنْ يهودياً

المشرف العام

الدراما في رمضان.. غزارة في الإنتاج.. وتنوع في المدن

إنتصار بوراوي

اترك تعليق