المقالة

حدث فى يوم السبت 7 مارس 1964

السقيفة الليبية

صحيفة الحقيقة

حدث فى يوم السبت 7 مارس 1964….. اْن انطلقت صحيفة الحقيقه فى مدينة بنغازى بصدور عددها الاول صباح هذا اليوم برئاسة المرحوم محمد بشير الهونى. كان عام 1964 فى بدايته قد شهد مظاهرات يناير واستقالة حكومة الدكتور محى الدين فكينى وتولى السيد محمود المنتصر الحكومه بعده.. ثم تقديم الملك استقالته التى سحبها تحت ضغط الحشود الشعبيه التى تجمعت من كل مكان فى ساحة دار السلام بطبرق لعدة ايام .. ثم شروع الحكومه فى مفاوضات الجلاء مع بريطانيا وامريكا للجلاء من قواعدهما فى ليبيا.

فى فترة حكومة الدكتور فكينى صدرت تراخيص اصدار الصحف للحقيقه والبلاغ لعلى وريث والحريه لمحمد الطشانى والايام لعبدالله شرف الدين والشعب لعلى مصطفى المصراتى ثم الميدان لفاضل المسعودى(فى مرحلة لاحقه اوقفت للاْسف البلاغ والشعب والايام دون مبرر).

كان لهؤلاء تجارب كبيره فى العمل الثقافى والفكرى والصحفى فى ايام ماضيه.. فالهونى كان احد كتاب صحيفة البشائر فى بنغازى وكان معلقا بالاذاعة الليبيه واول رئيس لتحرير مجلتها. ووريث كان من نشطاء نادى ليبيا الثقافى بالقاهره وكذا الطشانى الذى راْس تحرير صحيفة فزان.. والمسعودى احد كتابها ثم واصل ذلك فى المساء والليبى بطرابلس والمصراتى كتب فى الصحافة المحلية والعربيه واول من اصدر مؤلفا عن صحافة ليبيا فى نصف قرن عام 1964 وشرف الدين نشط من خلال المحاماة والدفاع عن الحقوق وممارسته للعمل السياسى. نخبة تمثل جيلا صحفيا ليبيا اصيلا.

والواقع ان فترة فكينى ايضا شهدت براحا من الحريه الفكريه.. فقد نشر محمود الهتكى فى صحيفة طرابلس الغرب الحكوميه مقالات مشهوره منها (امى) و(الشجره) تناول فيها بالرمز والتلميح رموز الدوله بدءا من الملك ثم رؤساء الوزارات.. ولم يحدث له اى سوء او تقع عليه عقوبة رغم التحقيق الشكلى معه. ونشر الحاج جعفر الحبونى قصيدته الشهيره (وين ثروة البترول ياسمساره) على صفحات العمل فى بنغازى التى كان يديرها الاستاذ احمد بوهدمه رحمه الله.. وجرت حولها مساجلات وردود شعريه بالفصحى والعاميه فى صحف اخرى.. وكذا الاذاعه ولم يحدث ايضا اى مكروه للجميع !! انطلق العدد رقم 1 للحقيقه من مكتب صغير فى بنغازى يقع فى ناصية شارعى الاستقلال وتونس.

كان الحلم كبيرا.. بداْت اسبوعيا بثمان صفحات وضمت العديد من الكتاب.. رشاد الهونى ويوسف القويرى ومحمد عبدالرازق مناع واحمد الحريرى وعبدالله القويرى ومحمد فاضل زيان وكامل عراب واحمد بشون مشرفا لصفحة الرياضه.. وغيرهم. طبعت الحقيقه فى المطبعه الحكوميه بشارع عمرو بن العاص ثم مطابع النهضه الليبيه للدكتور مهدى المطردى الكائنه بالقرب من السجن القديم عند بحر الشابى.

خلال سنتين بداْ محمد بشير فى التطور والحراك لصحيفته.. واشترى قطعة ارض فى الحميضه لبناء مطبعة خاصه لدار الحقيقه.. هكذا صار اسمها. مؤسسه تسعى بلا توقف لتحقيق صحافة وطنيه وتجربه وطنيه بمواهب وطنيه.. وتحصل على قرض من بنك ليبيا.. وصدرت الحقيقه مع مطلع 1966 فى تلك المطبعه.. فى مقرها الجديد.. ثم صارت يوميه اعتبارا من 7 مارس 1966. واضحى رشاد الهونى شقيق محمد الاصغر مديرا للتحرير وعبداللطيف البنانى رئيسا لمجلس الاداره.

صارت الحقيقه شيئا اخر.. استمرت فى الانطلاق.. حققت القبول من المواطن والمسؤول.. وناقشت القضايا والموضوعات التى تهم الوطن والمواطن بمصداقيه وباختلاف فى الراى واحترام الاخر.. رغم كثرة الاتهامات لها التى تدعو الى الضحك.. ليس اقلها انها صنيعة امريكيه!! تابع القارىْ فى ليبيا دون استثناء الحقيقه وارتبط بها.. ولمس تطور الاخراج واستخدام الالوان والخطوط والصور والاخبار الوارده من الوكالات العالميه.. وتوزيعها فى كافة المناطق بشكل يكاد يكون يوميا.

اهتمت الصحيفه بالكاتب الليبى والنتاج الليبى.. وتاْسست شقيقتها باللغة الانجليزيه ذى ليبيان تايمز.. فى بنغازى ثم الكفاح فى بيروت.. وضمت مع الكتاب الليبين.. الصادق النيهوم وخليفه الفاخرى وحسين مخلوف وابوبكر الهونى وانيس السنفاز وحميده البرانى وعبدالرازق بوخيط.. وغيرهم.. ضمت من العرب.. سمير عطا الله ويوسف حسين ونور الدين الزرارى ومصطفى التركى وبكر عويضه وخالد محادين ومحمد سلمان وزينب جابر. واهتمت بشعر على الفزانى ومحمد الشلطامى وقصص رجب الشلطامى ونقد سالم قنيبر وعلى فهمى خشيم والسنوسى الهونى وادريس الهونى ومنصور صبره. وفتحت المجال لتشجيع العديد الذين انطلقوا منها.. سالم الكبتى وعوض ابريك ومحمد المسلاتى وزكرى العزابى وعبدالرزاق الماعزى ورمضان الشحومى ومحمد مصطفى عبيد واحمد بوبكر المسلاتى وسالمه الفاخرى.

كان رشاد يقود الفرقه بمهاره. وكان هناك الرجل الرائع النبيل.. قاسم حماد يتابع ويسهر حتى ينضج العدد ويصل الى القارىْ كان اْبا للجميع .. وملح ايام الحقيقه . كانت الحقيقه صورة مشرقه للصحافة الليبية المعاصره التى اسهمت فى دفع مسيرتها الى الامام. وكان لابد للقذافى عقب انقلابه ان يضرب الصحافة الخاصه ويتهمها بتضليل الراىْ العام ويقدمها الى المحكمه لتغلق الكثير منها وتعاقبها بالغرامات.. كان رشاد الهونى الكاتب والصحفى العملاق ثانى المتهمين فى تلك المحكمه.. وكانت ردوده مليئة بالشجاعه والسخريه مما يحدث . كان يعرف منذ اليوم الاول للانقلاب ان الدور ات للصحافه فى ليبيا.. ستبداْ مرحلة العسف والتكميم والتخويف.

فى اواخر 1968 وذات ليله طرق باب مكتبه فى الحقيقه ملازما اول فى الجيش اسمه معمر بومنيار.. وطلب منه ان يطبع ما اْسماه كتابا فى السوق والتعبيه ومبادىْ الحرب. ورفض رشاد وسخر منه قائلا من انت حتى تتطاول على رومل ومونتجمرى ونابليون!؟. واسرها فى نفسه ذلك الملازم.. ثم انتقم. وطارد الحقيقه.. وفرض الرقابه على الصحف.. ووصل الامر بالاغلاق فى يناير 1972 لتنتهى مرحلة رائعه وايجابيه فى تاريخ صحافة ليبيا.. ليبيا التى اودى بها الملازم الى هاوية الجحيم.. وبعدها بعام ارسل بعض من عصابته لتضيق الخناق اكثر على رشاد الهونى.. استدعى الى معسكر الحرس فى بنغازى وحقق معه.. ونال من التعذيب والضرب على مدار يوم كامل.. ثم قالوا له ان معمر لايريدك داخل ليبيا.. وخرج الى عودته عام 1988. 7مارس 2014.. خمسون عاما على صدور الحقيقه.. فاْين للقارىْ الليبى بمثلها فى هذا الزمن الذى ضاعت فيه الحقائق!!

_____________________________

* نشر المقال بموقع (ليبيا المستقبل)، 7/3/2014

مقالات ذات علاقة

ديالكتيكياتي (100/1)

حسن أبوقباعة المجبري

مدرسة الإعلام الأولى في مدينة صبراته

عزالدين عبدالكريم

السيد رئيس تحرير مجلة “أوراق مبعثرة”

المشرف العام

اترك تعليق