النقد

واقع الشعر في ليبيا

 

عثمان اليحياوي-تونس

 إن الانتشار الثقافي في أقطار المغرب العربي محدود فضلا عن أقطار المشرق العربي لذلك فان الجانب الشعري منه لا يمكن دراسته  الا في حدود اقل من المحدود ان لم اقل في حدود المعدوم كبعض ما يظهر احيانا في الصحف مع الملاحظ ان الجانب الغنائي منتشر بيننا فهو يكاد يغزو الوسائل البصرية ويا ليت ان كان الشعر مثله واني اليوم رغم عنايتي بهذا فاني اقر بمحدودية معرفتي به ذلك سأحاول دراسة بعض الابداعات لشعراء ليبيا الشقيقة كما انني أقر بأن شعرنا العربي عموما يكاد يكون في مستوى واحد في جميع مراحله لكن حاليا لم يكن راقيا كما كان في عهود الاحتلال الا البعض منه الذي يتيسر عده لكن بعض الشعراء من امثال: بشرى الهوني وجنينة السوكني ورامز النويصري والفيتوري الهادي ومحمد القذافي مسعود وعمر سالم الحاجي وغيرهم باطلاعنا على البعض من اشعارهم وجدنا فيه صورا شعرية جميلة كالدرر تفاعلنا معها وجدانا واحساسا وهذه التوسلات- لست الاول- لبشرى الهوني المعروفة في الساحة الشعرية التونسية تظهر وقوفها باقتدار تهمس بآهات ناشدة «بالملحق الثقافي» (22/2/2004):

أمنيتي الا القاك..

امنيت الا اشتاق

فأمهلني هدنة

بعثر بيننا بعض الوقت

املأني حزنا كي ابكيك

غادر واغدر لا تهتم

دس احساسي

اغضب وارحل…

دون وداع

دون ندم

علمني السلو…

علمني القسوة..

كي استنشق كيد النسوة

كي افهم..

ان لست الاول..

ان لست الثاني…

ان لست بآخر من يغرم

شاعرتنا لها موهبة ابداعية تؤسس لتجربة شعرية لتكون اكثر رسوخا في شعرنا المعاصر وهي تبحث عن الحب خارج حدود الواقع وهذا مستملح وما اباحت به من مشاهد لنوع من الحب مبتكرة لحالتها الذاتية باسلوب جديد كما هو في روائع سعاد الصباح وبالخصوص في ديوانها «خذني الى حدود الشمس» – في قصيدة – «سأبقى احبك» – ص 73- فشاعرتنا مثلها لا تعمد الى التورية والكناية فهي تعيش في رحلة ممتعة مقتطفة من رحيق وجدانها المنغرس فيه خنجر الحب والعشق حتى تصير اسيرة لحبيبها لانها ولهانة به الى ان فقدت الوعي بذاتها دون خيال يذكر في حبها بل هو واقع عشقها له وهذا ما عبرت عنه مرة اخرى في قصيدتها – «انا والآن»- «بالملحق الثقافي» (26/2/2006) نقتطف منها:

أناجيك..

يا من انا مرسومة فيك …

يا من انا مازلت اعنيك…

تتوق لهمسي على عجل…

تحن لان اناديك…

تمهل … لست غافلة…

ادرى طيفي يشغلك…

… يشعلك ..

ادري الذكرى تشقيك…

… لعلني لا اجانف الحق ان قلت الآن كعرب في حاجة اكيدة الى تحديد المفاهيم في حياتنا حتى تبقى الانثى كأم وأخت وحبيبة في حدودها حتى لا تنقلب الى أب وولد ووطن وحتى لا تتحول المرأة الى رجل فحل وبالتالي نفقد ما قالته المرأة سابقا: «لا تهم الشاة سلخها بعد ذبحها» ولان جراحنا لا تلتئم الا بهذا الحزم والقوة وبهذا نعيش حياتنا الطبيعية التي بها فتح اجدادنا اقطار العالم وبها كانت حضارتنا اثرى الحضارات في العالم أدبا وشعرا ومعرفة.. فتحديدا المفهوم هو المحرك الاول لعودتنا الى ماضينا المجيد لنبني بوعي تام مستقبلنا بدون ان يصبحنا الرعب والفوضى طيلة وجودنا الذى ادى بنا الى مزيد من الكوارث مع انه يجب ان تنفتح على ثقافات الاخرين وهذا ماعبرت عنه شاعرتنا فجاء في مشاهد شعرية تتدفق من جوارحها كما تدفقت عند بقية شعراء ليبيا بتميز حيث اباحوا بمقاطع حية من الشعر لكن هل تمازج فيه البعدان الانساني والوطني؟ وقصيدة «الخطيفة» لرامز رمضان النويصري (7/10/2004) نقتطف منها:

الخطيفة لا تحط على الارض

والحناء في ايدي البنات تكاد تروح

ابي يمنعني عنها

وأمي تعدني بالجنة على اجنحتها

وانا احلم بالحناء على ارجلها..

وهذا نفس ما ورد في شعر مبدعتنا- جنبنة السواكني لست رشفة عجلى – نقتطف منها:

أعتو.. وازهو

اذا تعجم عليك الدرب..

انتشي لرؤياك مضطر ما

تفقد في مدائني الدليل

وتفتقدك الآثار على الترب

وكذلك عبر شاعرنا : «طفولة اخطائي» – لمحمد القذافي مسعود (الملحق الثقافي- 4/8/2005) تقتطف منها:

حاولت الاختباء خلف

حذائي .. لكنه خذلني

اذ تنحى جانبا

مشيت متعرجا

ارمي الظل بحجر

فيرتد رصاصا

وعراجين تنزف..

وهذا بالذات ما ورد في شعر عمر سالم الحاجي «بالملحق الثقافي» (12/5/2005) نكتفي منه ب:

ذهبت امرأة

فلتأت اخرى

فلتغن ..

لانتشاء الروح

وملامسة النجوم

فقد آن للجرح العميق ان

يندمل

وتنبعث مكانه قرنفلة حمراء

وتتواتر هذه المفاهيم في شعر سعد حمد الغاني بأكثر جلاء نقتطف منه من نفس المصدر 7/7/2005:

اميطي لثامك

اربا اربا

تهدج خد الشهوة

في صلب معاناتي

وتكتف كل بنار النظر

الممعن في حال

مرسوم على خد مطلي

ولنطلع على هذا المقطع من ديوان – صلاح محمد عجينة حيث يقول:

مازلت صفحة

تطرق نهاري قلقا ومجيئا

اواه في نجواي ارى البحر عرقا للارض

واراني

وزيتا معفر للحرق

البحر يرتادني

الشريف احمد يقرع سمائي

الوقت الف عام

ونختم مع الشاعر الفيتوري الصادق وهو من الشعراء الذين لهم وجود شعري رائع يقول في قصيدة “من وجع الوقت المتحرر”:

مزيدا من الغياب

مزيدا من وجع الوقت

المحرم

مزيدا من انتحارات الليل

المدنسة

علها توقظ فينا

اشراقة الرؤيا المعطلة

وتهب النفس المحموم.. بعض هدوء

مقالات ذات علاقة

يوسف القويري.. رؤية في ملامح النهوض

عبدالسلام الفقهي

من إبداعات المكاوي في حوارية الطفل والشاعر

المشرف العام

حواء القموي .. أشواك عسلية

يوسف الشريف

اترك تعليق