طيوب البراح

لـولا البحـر مـا عرفـتك

 

على الصّارى

يا بسمةً تعلو شفاهَ طفلةٍ
يا نظرةً بريئةً تضىء ليل مقلةٍ
يا أقدم النخلات في وطن الفنيق
يا شجرة أتفيء بحنانها
يا ملكة من شعب هوارة* العريق
جلست على عرش العرب
يا مركباً حملت فلول الفاتحين
يا نجمة يرنو إليها التائهون
يا منارة البحر التي تهدي السفين
ماذا جرى لك ..
هل تعوّدت المحنْ
أم أنك اخترت التقهقر والوهنْ
هل أنت ـ يا حبيبتي ـ في خصومة مع الزمنْ

* * *

يا أنثى شاخت قبل الأوان
هل ظلمك الزمانْ
أم أنكِ ظلمته
أم أنه الإنسان عندما يموت في نبضاته الإنسانْ
أو أنّني أعيش فيك مواسم الفقدانْ
فبدأت أفقد الإحساس بالأشياء
ويسرق الزمان نبض ذاكرتي
كأنّني قصيدة شاردة
مخنوقة الأوزانْ
لم يبق إلا البحر يا حبيبتي
لم يبق إلا النخل يعرفني
فلولا البحر ما عرفتك
ولولا النخيل ما رأيتك

* * *

هل تذكرين طفلا نزقا
يتعفّرُ بترابك
يتسلّق نخيلك
يتدحرج من أعلى كثبانك
يرسم عبثه على شاطئك الطويل
يستجدي من الشمس حفنة ضوءٍ
يكتب بها على جبين الليل
اسمك النبوي
يفتّش تحت خمار الفجر
عن بسمةٍ من ثغرك العليلْ
أم أنّ ذاكرتك هي الأخرى شاخت
وبهتت الألوان فيها
لم يبق سوى وجوم البحر
وأحزان النخيل
فلولا البحر ما عرفتك
لولا النخيل ما رأيتك

* * *

كنتِ أجملَ أنثى في الكون
تعانق البحر تحت الشمس
وتصنع الظلال من سعف النخيل
تتحزّم بماجر الجميل
لترقص على معزوفة المطر
كنت أجمل عروسٍ تجلس على الشاطئ
تقبّل جبين الصحراء
وترسم الوجوه بألوان الشمس
تتعلّق بأهدابها
كنت أجمل طفلة في كوكب البراءة
تعانقين البحر والصحراء
والآن ..
فقدت البراءة
فقدت الجمال
ولم يبق إلا ملامح ذكرى
بقايا خيال
فلولا البحر ما عرفتك
ولولا النخيل ما رأيتك

* * *

النخل فرّ إلى السماء
حزناً عليك
والبحر يلتحف الشتاء
حزناً عليك
والشمس شاحبة الضياء
حزناً عليك
سقط الحزام وخصرك سقط
والأقحوان بثغرك قنط
شاخ الزمان وعقدك انفرط
لم يبق إلا عويل القلب منضبطا
عبثت بعينيك الرياح
والبحر يلتحف الجراح
شاخت زليتن قبل أن يأتي الأوان
شاخت …
ولم يشخ ـ بعد ـ الزمان
لم يبق إلا البحر والنخيلْ
يتطارحان ماضيك الجميلْ
فلولا البحر ما عرفتك
ولولا النخيل ما رأيتك

* * *

شكوتك للبحر يا أميرتي
فأشاح عنّي وجهه وتجهّما
شكوتك إلى النّخيل
ففر منى إلى الفضاء متبرّما
سألت كلاً منهما
من الذي سرق الطفولة
من الذي سحق الأنوثة
واستباح الأنجمَ
لو يرجع الزّمان يا حبيبتي
لو أنني أعيد الشمس للوراءْ
لو أنّني أنال حفنة الضياء
ويقصر النخيل حتّى ألحق العُرجون
لو تشمخُ الكثبان من جديد
لو ترجع البراءة
لو ترجع الطفولة
لو يستقيم العقلُ في ظل الجنون
فحينها
أبدأ من عينيك أبجديتي
أتسلق النخيل
وأغازل البحر

مقالات ذات علاقة

مدينة بائسة

المشرف العام

صباحات غربتي

المشرف العام

إلى أمـي

المشرف العام

اترك تعليق