عقب نشري لمقالي المعنون (عندما يحكم المثقف)، علق الصديق “محمد النعاس” بقوله: (يكفي الروائي أن يحكم شخصياته وأماكنه، الروائي ديكتاتور بالطبيعة… إنه يمارس سلطته بخشونة ولا يرى ديمقراطية، وعندما يخرج للعالم الخارجي ويحاول أن يحكم الواقع سيجد نفسه إما تائهاً فيه أو ديكتاتوراً؛ ألم يكن القذافي كاتباً من نوع ما؟ القرية القرية، الأرض الأرض وانتحار رائد الفضاء.)
حقيقة سعدت بتعليق الصديق “محمد النعاس”، القاص المميز، والقارئ واسع الاطلاع. فعندما كتبت مقالي المعنون (عندما يحكم المثقف)، ركزت كقارئ على النص، أو المنتج الأدبي الذي يصلني، ولم أحاول المغامرة بالدخول لما وراء هذه النص، كون هذا الدخول سيحرمني الكثير من متعة اللعبة، متعة التخيل.
فأنا أتفق تماماً إن الروائي، يمارس في كتابته مستوى من الديكتاتورية، وأن هذه الممارسة التي يتحكم فيها بشخوصه، ويخطط لأقدارها –لو صح التعبير-، هي المتعة التي تصلنا، والإبداع الذي يجعل من العمل الروائي رحلة شيقة، وعليه فإن جودة العمل الروائي، في جانب منها تعكس مستوى دكتاتورية الكاتب، وقوتها، وقدرتها على التأثير في العمل!!!
وهو ما يجعل من هذه الدكتاتورية، في حكم المستحب، الذي يرقى لحكم الوجوب من جانب الكاتب.
من جانب آخر، هل الدكتاتورية التي يمارسها الروائي؛ دكتاتورية تفرضها الضرورة الأدبية؟ إم إنها حالة نفسية، أو أن لهذه الممارسة بعد نفسي كامن في الكاتب.
فإشارة الصديق “محمد النعاس” لمرجعية هذه الدكتاتورية كمركب نفسي، يعكس الجانب الشخصي منه، وهو الأمر ذاته الذي أشار إليه الصديق الكاتب “عبدالمنعم المحجوب” في تعليقه على ذات الموضوع، من خلال إجابته عن سؤال في ذات الموضوع، وإجابته التي ناقش فيها “الفارابي” ومدينته الفاضلة، أو كما كتب عبر الماسنجر: (هكذا تخيلت الفارابي حاكماً)، وهو يرفق رابط الحوار كاملاً.
“النعاس” و”المحجوب” اتفقا، أن الكاتب أو المثقف، عندما يكون خارج النص، في العالم الخارجي، فهو إما تائه أو دكتاتوراً. لكنهما -أي النعاس والمحجوب-، يصدران حكمهما بشكل مباشر؛ فالأول عرض لشخصية “القذافي”؛ الحاكم والكاتب. عرض الثاني لشخصية “الفارابي”؛ الفيلسوف الذي استطاع النفاذ من حصار التهم. وكأنهما يؤكدان، أن المثقف سيتحول إلى دكتاتور حال وصوله للحكم.
إلى حدٍ ما، أتفق وما ذهب إليه الفاضلان؛ النعاس، والمحجوب!!!؟
والسبب؛ أن المثقف شخصية مستقلة، وسيكون من الصعب عليه التعاطي مع الكثير من مسائل السياسة من مبدأ المصلحة، وليستمر عليه أن يتمتع بمستوى من الديكتاتورية، لإثبات ذاته، ولتمرير رؤيته، والتي من أجلها قد يتحول إلى ديكتاتورٍ بامتياز، وهي الانعكاس المباشر لمثالية المثقف في الدفاع عن الحقوق، والتنظير لها.
ومن ناحية أخرى، نتيجة العزلة التي عاشها أو فرضت عليه، فظل يرسم الواقع كما يراه هو، لا كما يعيشه، ولن يكون من السهل عليه التنازل عن هذه الصورة.
ولا ننسى إن الروائي، أو المثقف في العموم، شخص متمرد، بالتالي وهو في سدة الحكم، سيكون قادراً على قلب المشهد، وقد يسقط بعض الدم نتيجة السقوط.
لقد أخرجني “النعاس” لعبتي، وأكد هذا الخروج “المحجوب”، وكلاهما باغتاني، وأعادني للتفكير من جديد، عن أهمية دور الثقف في المجتمع؟، ومستوى هذا الدور؟ ومدى تماسه المباشر مع السلطة؟ وهل من واجب المثقف التنظير أو النزول للميدان والعمل، وقيادة الجماهير؟، وقبل ذلك؛ من هو المثقف؟
الموضوع متاح للجميع للمشاركة.