بدرالدين مختار:
هل ينفصل التاريخ عن أي فرع من فروع المعرفة
أعلام ليبيا كان أصلح هذه الأفكار للتنفيذ الفوري
محظوظ بأني نجوت من الذم
حاوره: رامز النويصري.
يحفل التاريخ الليبي بالكثير من الشخصيات الليبية، غير معروف، خاصة من كان لها إسهام كبير في نهضة البلاد، وإعمارها على جميع الأصعدة، السياسية والثقافية والاجتماعية. وقد خضعت هذه بعض هذه الشخصيات للإقصاء، فغابت عن الذاكرة، للكثير من الاعتبارات كان للسياسة الدور الكبير فيها.
برنامج (أعلام ليبيا) الذي بث ضمن برامج شهر رمضان الماضي (2017)، قدم وعرف بمجموعة من أعلام ليبيا، وشخصياتها التاريخية، من خلال وجبة اجتمع فيها البحث التاريخي، حضور الصورة، والإخراج الجميل.
بدرالدين مختار، بالرغم من دراسته للطب، إلا إنه ومنذ تعلم القراءة لم يتوقفت عن المطالعة والغوص في الكتب، ويشكل التاريخ جزء مهماً من اهتمامته التي شملت شتى صنوف المعرفة، نلتقيه في هذا الحوار القصير للحديث عن تجربته في كتابة المادة العلمية لبرنامج (أعلام ليبيا).
تخصصك علمي، لكنك مغرم بالثقافة والأدب!! كيف تفسر هذا؟
– لا أستطيع أن أصف نفسي بصاحب التخصص العلمي. علاقتي بالتخصص العلمي تقتصر على الدراسة الثانوية بتخصصية علوم الحياة، ثم بكلية الطب البشري التي مازلت طالبا فيها في السنة الخامسة، وأنا من جيل فرض عليه تقرير مصيره الدراسي في سن مبكرة بعد الشهادة الإعدادية. كنت بعد الثانوية قد قررت الالتحاق بكلية القانون، ولكن ضغطا عائليا جعلني أعدل عن هذا الاختيار وأسجل بكلية الطب. آنذاك أوهمت نفسي بأني لن أكون طبيبا بل سأتخصص في [علم الوراثة] وأكمل حياتي أكاديميا، ولكن هذا الحلم أخذ يذوي شيئا فشيئا حتى إني الآن لا أكاد أجد له في نفسي أثرا. ولا بأس، لا أستطيع أن أقول إن الطب مجال غير جميل أو غير جدير بأن تنفق فيه أيام عمرك، ولكني فعلا لا أشعر بالانتماء إلى هذا المجال، وأغلب الظن أن علاقتي به ستكون -ما لم يستيقظ الحلم القديم- مهنية ماديةً صِرفة.
فإذا عرفت بأن علاقتي بالقراءة بدأت في سن السادسة حتى هذا اليوم دون انقطاع، وأنها بدأت بالقرآن والقَصَص والتاريخ الإسلامي والعربية، فلن يكون مستغربا هذا الميل، لأن الطب هو الطاريء على الميل الأدبي لا العكس.
وماذا عن حكاياتك مع التاريخ؟
– يظن أصدقائي أنني مغرم بالتاريخ، وهذا صحيح، ولكنه غير صحيح إذا قصد به أنني مغرم بالتاريخ وحده، فأنا مغرم بالشعر واللغة والفلسفة والسياسة، وقد تمر أيام أستغرق فيها تماما في موسوعة الفلسفة أو في ديوان الشعر الشعبي أو في رواية مترجمة أو في معجم معارك الجهاد أو في كتاب لمحمد حسنين هيكل، بالشغف ذاته، والمتعة ذاتها.
ولكن، هل ينفصل التاريخ عن أي فرع من فروع المعرفة ؟
لا أعتقد ذلك، وسأضرب مثالا بسلسلة تاريخية عظيمة هي قصة الحضارة لول ديورانت. يقول صاحبها وأنا الآن أنقل من مقدمة الجزء الأول منها بتصرف : حاولت أن أكتب تاريخا للمدنية، أروي فيه أكثر ما يمكن من النبأ في أقل ما يمكن من الصفحات، بحيث أقص في روايتي ما أدته العبقرية وما أداه دأب العاملين في تراث الإنسانية الثقافي، وأن تكون قصتي مصحوبة بتأملاتي لما أصابه الاختراع من خطوات التقدم، ولأنواع النظم الاقتصادية، والتجارب في ألوان الحكم، وما تعلقت به العقيدة الدينية من آمال، وما اعتور أخلاق الناس ومواضعاتهم من تغيرات، وما في الآداب من روائع، وما أصابه العلم من رقي، وما أنتجته الفلسفة من حكمة، وما أبدعه الفن من آيات.
إن الانطباع السطحي عن التاريخ هو أنه سرد لسير حكام ومعارك، ولكن، بهذا المعنى الذي قصدإليه كاتب [قصة الحضارة] بالتأريخ؛ يصبح التاريخ مدرسة فلسفة وعلم وأدب وفن وأخلاق واقتصاد وعقائد ونظم حكم، ويصلح مدخلا لكل فرع من فروع المعرفة.
دعنا نركز حديثنا عن تجربتك في برنامج (أعلام ليبيا):
كيف جاءت فكرة البرنامج؟
– الفكرة في البداية لم تكن [أعلام ليبيا]، الفكرة كانت أكثر عمومية، أي إنتاجاً مرئيا يتناول شيئا من تاريخ ليبيا، وكانت الأفكار كثيرة، وتتراوح بين الفكرة القابلة للتنفيذ، والحلم البعيد، ولكن أعلام ليبيا كان أصلح هذه الأفكار للتنفيذ الفوري في هذا الوقت الضيق (أقل من ثلاثة أشهر).
لماذا تم اختيار هذه الأسماء؟، هل هناك معايير تم وضعها لذلك؟ خاصة وإن الأسماء المقدمة هي من جيل ليبيا الاستقلال!!
– لقد اخترت في البداية أكثر من ثلاثين اسماً، تشمل زعماء وسياسيين وكتابا وأدباء وفنانين، ولكن بسبب ظروف الإنتاج لم يكن ممكنا إلا تنفيذ 15 حلقة فقط، فاخترت من القائمة، 11 اسماً تستطيع وضع أي اسم منها تحت عنوان أو أكثر من العناوين الثلاثة التالية :
1- المساهمة في حركة مقاومة الاحتلال الإيطالي في ميداني السياسة والحرب.
2- المساهمة في الحراك السياسي الذي أفضى إلى نيل الاستقلال.
3- المساهمة في تأسيس الدولة الليبية الحديثة.
وكم استغرق الإعداد لهذا البرنامج؟
– إذا قصدتَ بالإعداد جمعَ المادة فهذا استغرق وقتا طويلا، وبدأ منذ سنوات، أي حتى قبل التفكير بمثل هذه العمل، أما إذا قصدتَ تنفيذ البرنامج فقد استغرق حوالي ثلاثة أشهر.
معظم المتابعين أعجبهم هذا العمل التوثيقي! فبما تعلق؟
– لقد استقبل البرنامج من أصدقائي ومعارفي وممن أتيح لي معرفة آرائهم استقبالاً رائعاً فاق تقديري وتوقعي، وأنا فخور بكل كلمة ثناء، وسعيد بكل ملاحظة تصحيحية أو رأي مختلف، ومحظوظ بأني نجوت من الذم إلا في حادثة واحدة اعترضت فيها سيدة على عدم وجود شخصيات من مدينتها.
ألا ترى معي، إن الكثير من الليبيين غير مطلعين على تاريخهم؟ خاصة فترة الاستقلال!!
– أعتقد أن هذه سمة مشتركة بين الشعوب، وأعتقد كذلك أن هذا شيء طبيعي، ولا يكون علامة خطر إلا في أوقات معينة تعلو فيها أصوات تطالب بمطالب جهوية أو قبلية أو عرقية أو دينية أو سياسية، استنادا إلى ما يعتقد هذا أو ذاك بأنه [التاريخ]، التاريخ هنا هو المشكلة وهو الحل كذلك، ولعل لمعظم النزاعات في العالم جذورا تاريخية، ولا نبتعد كثيرا للاستدلال على هذا الأمر، فلسطين ودارفور والقضية الصحراوية شواهد ماثلة وقريبة، ولكل طرف في أي نزاع عقيدة تستلهم من التاريخ ما يقوي وجهة نظره سواء أكان صاحب حق أم نفعيا ينشد مصلحته، وفي جميع الأحوال لا يمكن التخلي عن العودة إلى التاريخ أو اعتباره ترفا.
محليا قد تكون القضية العظمى التي يتجلى فيها خطر توظيف التاريخ هي [وحدة ليبيا]، وإذا كان لحلقات أعلام ليبيا رسالة غير مباشرة تكاد تتكرر في كل حلقة من حلقاته فهي هذه [القضية]، أو لنقل هذه [الحقيقة] أو هذه [الضرورة].
هل هناك جزء آخر من أعلام ليبيا؟
– نعم، سيكون للبرنامج جزء ثان، وقد بدأت في إعداده، ولا أعرف ما إذا كان سيعرض قريبا أو في رمضان القادم، وأتمنى أن يكون للبرنامج جزء ثالث ورابع.
كلمة أخيرة.
– كلمتي الأخيرة هي رغبة في التعبير عن التقدير الكبير الذي أحمله لشخصكم الكريم على هذا الموقع الذي أعده مؤسسة قائمة بذاتها، تحفظ ذاكرتنا الثقافية دون مقابل، بدأب وصبر ونكران للذات، فلكم جزيل الشكر.
[divider]
من هو بدرالدين مختار؟
مواليد طرابلس 1988
درسَ المرحلة الابتدائية في مدرسة 23 يوليو [المشهورة باسم مدرسة شارع الزاوية]، ثم المرحلة الإعدادية في مدرستي علي حيدر الساعاتي والتقدم. ثم المرحلة الثانوية بتخصصية علوم الحياة في مدرسة علي وريث.
واصل دراسته الجامعية في كلية الطب البشري حتى السنة الخامسة.
مؤسس ورئيس [نواة]؛ أول ناد لهواة القراءة في طرابلس بعد الثورة، وتأسس الناي في أبريل 2012، ومازال النادي قائماً.
أصدر بالتعاون مع أصدقائه في كلية الطب وأعضاء نادي نواة [صحيفة جالينوس]، وصدر منها 12 عددا شهرياً.
شارك في تنظيم مهرجان الكتب المستعملة عام 2013.
اشتغلَ بالصحافة بعد الثورة فترات متقطعة كان أبرز محطاتها موقع مراسلون وصحيفة فبراير، ومعظم إنتاجه الصحفي كان حوارات مع شخصيات سياسية.
يشغل الآن: وظيفة المدير التنفيذي لشركة طرابلس الغرب للخدمات الإعلامية، والشركة هي المنفذ لبرنامج أعلام ليبيا، باكورة إنتاجها المرئي. وقد كان عملها قبل ذلك مقتصراً على بعض أعمال الدعاية بالإضافة إلى إصدار صحيفة جالينوس.
تعليق واحد
بدر الدين المختار .. من احسن الناس لي نعرفهم
اخلاق واحترام حتى في اسلوبه مع الاخرين .. ربي يحفظك <3