غالبا ماسار النقد الأدبي في الثقافة العربية الحديثة مساراً غيرُ مفيدٍ معرفيا لقارئ النص ومبدعه إذا ماتوّسم فيه منفعته، وإفادته وتوجيهه ، فما سمّي بالنقد الأدبي عموماً بكل ضروبه وتحوّلاته كالنقود الإنطباعية “لعقاد، والمازني، وطه حسين ومارون عبوّد” والواقعية و(الواقعية الجديدة) محمود أمين العالم، ولويس عوض، وغالي شكري، ورجاء النقاش، وحسين مرُّوة، والاكاديمية” إحسان عباس، شوقي ضيف، محمد مندور، توفيق بكّار، أمين العيوطي، لطيفة الزيات، وعبد القادر القط وجابر عصفور” الخ… وصولاً إلى التوجهات المتأخرة كالبنيوية التي متلثها كتابات يمنى العيد، وسعيد يقطين، عبد الفتاح كليطو، ومحمد مفتاح… الخ.
في مسارنا الليبي المتعثر إنعكست المسارات الانطباعية في نقد التليسي، وبشير الهاشمي، وهرّوس، والواقعية يوسف القويري، أمين مازن، ورمضان سليم وقبل توقّفه المُبكر كامل المقهور الخ أما الاكاديمية فلم يتميّز فيها أحد بما يشكل توّجهاً منتجا.. في كل هذه الضروب النقدية سار النص النقدي من المقرؤات لنقاد واكادميين اجانب بشكل موازٍ للنص الابداعي العملية غالبا لم تتجاوز التوصيف مع العوز في التطبيق، التوجهات الحديثة التي بدأت بالبنيوية أفترض فيها التطبيق لكن للأسف لم يتمّ هذا بشكل ديناميكي مفيد وظل في عمومه استاتيكيا تعالُميا.
أمّا مُقاربة الشعر بالفلسفة، فمسألة غائبة تماما في النقد الأدبي العربي، لآن كُل النُقاد العرب إمّا خريجون من أقسام اللغة العربية، أو الأنجليزية أو الفرنسية، محمود آمين العالم الذي أنجز أطروحة ماجستيره في فلسفة المصادفة ترك الفلسفة وعبر ميوله اليسارية إنشغل بالنقد الأدبي من الزاوية الاجتماعية، آنيس منصور الذي أنجز اطروحة ماجستيره في الفلسفة الوجودية، مال إلى كتابة المقال الخفيف والعرض، ولم يكتب نقداً منهجيا موضوعياً ، زكي نجيب محمود فيلسوف الوضعية المنطقية كتب مقالات في الشعر برؤية الجماليات الفلسفية ولكن بدون تطبيقية الناقد الأدبي الخ الخ.لست ادري ماالذي وجه فطرتي في القراءة بدون توجيه عائلي وأنا من عائلة أُمية لاتقرأ أو من معلم موّجه إلى قراءة كتب النقد الأدبي، والمُترجم منه إلى العربية، الحظّ السعيد هو مابدأني بكتب سارتر في سلسلة مواقف وكانت البداية مع كتابه عن الشاعر “شارل بودلير”صاحب ديوان أزهار الشرّ، فكانت البداية الوجودية نقدية، شريرة، والشر أساسه الشك في محنة الملاك إبليس، الذي شكك في إرادة الله في خلق النبي آدم وتكريمه.
كتابات سارتر التي تطاولت فيما بعد على الكُتاب الفرنسيين ميرلوبونتي والبير كامو وفلوبير والأفريقيين المفرنسين كسنغور وفرانتز فانون هذه الكتابات هي التي وكنت في الصف الأوّل الثانوي سترمي بي بمحض الصدفة في مكتبة “المدينة” التي فتحت أبوابها لعام واحد بميدان 9 أغسطس الذي صار دلك العام السويحلي صيف عام 1971 إلى رفّ كتب لأعثر عليه أو يعثر علّي كتاب للفيلسوف مارتن هيدغر مقالات عرّبها أستاذ الفلسفة المصري عثمان آمين أبرزها مقالة طويلة عنوانها “هولدرلن وماهية الشعر” لقد أخذني الكتاب معه إلى ماهيّة الشعر كنت لاأقرأه بل أتلوه كصلاة في محراب الحب الطرافة المحيّرة أن ترجمة الكتاب أهداها د. عثمان آمين إلى طُلاّبه في قسم الفلسفة بكلية آداب بنغازي، معنى هذا أنّه في النصف الأوّل من ستينيات القرن ال20 كان هناك طلاّب فلسفة ليبيين يستطيعون التواصل مع ماهية الشعر عبر فلسفة هيدغر وهو من أصعب الفلاسفة عبارة وإشارة. لست أدري ما أسباب القصور عن فهم الآشياء، الذي أنتج كائنات كتابة من الليبيين من كل من هبّ ودبّ تكتفي بتذييل أسماءها يالدكتور والمهندس وتكتب وتعلّق ولاتقرأ. فقط تشاكس، وتتذّمر، من عدم تواصلها مع هذا اللون من الكتابة النقديّة .لهذا العقل القاصر عن فهم الأشياء أقول له عقلك القاصر هذا قسمتك في هذه الدنيا الفانية ربما يُكرمك الله بعقل يفهم شيئاً يسيراً من الفلسفة في الجنّة أو في الجحيم والجحيم كما قال سارتر هو أو هم الآخرون.
______________
نشر بموقع ليبيا المستقبل